السؤال: سماحة الشيخ/ يوسف القرضاوي                       حفظه الله ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسمحوا لي فضيلتكم بأن ألقي على مسامعكم السؤال التالي الذي يؤرقني منذ عزمت على تأدية فريضة الحج هذا العام:

فمنذ عدة سنوات أجريت لي جراحة ناسور شرجي، وكانت من نتائجها السلبية ضعف عضلات الشرج وبالتالي عدم القدرة الكاملة على التحكم في الغازات أو الطبيعة، باختصار شديد فهناك ما يعرف بسلس البول، ولكن حالتي هذه يمكن أن نسميها سلس البراز بحيث أن هناك نسبة ضئيلة جدا من البراز دائما تخرج مع الريح وربما بدون ريح بطريقة لا إرادية.

وحيث إنه من الممكن أن تخرج مني هذه الأشياء أثناء الصلاة دون القدرة على التحكم فيها، وقد أفتاني أحد علمائنا الإجلاء بأن أضع حاجزا مثل البامبرز أو الشاش أو القطن على الدبر، والوضوء قبل الدخول في الصلاة مباشرة.

ولكن فيما يتعلق بمناسك الحج ماذا يمكنني أن أفعل؟ وهل يجوز لي أن أرتدي سروالا أو كلوت أو ما شابه ذلك؟ وهل يكون طوافي بالبيت العتيق أو سعيي  بين الصفا والمروة أو بقية المناسك وبخاصة الوقوف بعرفة جائزا، وأنا بهذه الحالة (مبتل بصورة شبه دائمة)؟ أفيدوني أثابكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

(وبعد)

فإن السائل الذي يعاني من آثار جراحة الناسور، وما سببه من ضعف عضلات الشرج، وعدم القدرة على التحكم في الغازات أو البراز..إلخ

هذا السائل يعد ممن سماهم الفقهاء (أصحاب الأعذار). مثل من يعاني من الرعاف الدائم، أو سلس البول، أو انطلاق البطن، أو انفلات الريح. أو ما تعانيه بعض النساء من دم الاستحاضه، الذي يعبر عنه في عصرنا بـ(النزيف).

فهؤلاء جميعا يتوضأ كل واحد منهم لوقت كل صلاة، ويصلون (متحفظين) ولا ينتقض وضوءهم بنزول سبب العذر. إنما ينتقض بخروج وقت الصلاة.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة  بنت أبي حبيش "توضئي لكل صلاة حتى يجب، ذلك الوقت" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وفي لفظ قال لها: "توضئي لوقت كل صلاة" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.. وفي حديث آخر قال: "صلي وإن قطر الدم على الحصير" رواه البخاري. وصلى عمر وجرحه يثغب دما.

قال إسحاق بن راهوية: كان يزيد بن ثابت سَلِسَ البول، وكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه صلى، ولا يبالي ما أصاب ثوبه.

وعلى كل واحد من أصحاب الأعذار أن يتخذ من الأسباب ما استطاع حتى يمنع تلوث جسمه أو ثيابه، أو المسجد الذي يصلي فيه، دون حرج. فما جعل الله في هذا الدين من حرج.

وفي الموضوع الذي سأل عنه الأخ المستفتي حول الحج، يجوز له أن يلبس السراويل ونحوه، للعذر، ولا حرج عليه، ولا فدية إن شاء الله. لأن هذه الشروط إنما تجب مع القدرة والاستطاعة، أما عند العجز فتسقط. مثل كل شروط الصلاة الأخرى وأركانها من القيام والركوع والسجود وستر العورة، و استقبال القبلة ونحوها.

وقد قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" (التغابن:16) وقال الرسول الكريم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الحائض التي لا تستطيع أن تتأخر عن رفقتها، تطوف بالبيت وهي حائض، بعد أن تتعصب وتتحفظ، ولا شيء عليها، لأنها أدت ما تقدر عليه دون تفريط. والله أعلم.