د. يوسف القرضاوي

من تأثير النية في الأعمال: أن العمل الواحد يتنوع حكمه الشرعي، وقيمته الأخلاقية، وجزاؤه الأخروي؛ تبعًا لنية صاحبه.

ومن الأمثلة التي ذكرها الحديث لذلك، اقتناء الخيل: فهي لرجل واحد أجر، ولآخر وزر، ولثالث ستر، أو كما سماها حديث آخر: "فرس للرحمن، وفرس للشيطان، وفرس للإنسان"؛ وما ذلك إلا بسبب النية والقصد.

روى الإمام أحمد عن رجل من الأنصار مرفوعًا: "الخيل ثلاثة: فرس يرتبطه الرجل في سبيل الله، فثمنه أجر، وركوبه أجر، وعاريته أجر.. وفرس يغالق عليه الرجل ويراهن (فرس القمار)؛ فثمنه وزر، وركوبه وزر.. وفرس للبطنة، فعسى أن يكون سدادًا من الفقر إن شاء الله".

وروى عن ابن مسعود: "الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للشيطان، وفرس للإنسان، فأما فرس الرحمن، فالذي يرتبط في سبيل الله عز وجل، فعلفه وبوله وروثه ـ وذكر ما شاء الله ـ (يعني في ميزان صاحبه حسنات كما صح في حديث آخر)، وأما فرس الشيطان فالذي يقامر عليه ويراهن، وأما فرس الإنسان، فالفرس يرتبطها الإنسان؛ يلتمس بطنها (أي نتاجها) فهي ستر من فقر".

وقد جاء هذا التقسيم الثلاثي في الصحيحين من حديث أبي هريرة.

وقال الحافظ السيوطي: قال العلماء: النية تؤثر في الفعل، فيصير بها تارة حرامًا، وتارة حلالًا، وصورته واحدة، كالذبح مثلًا، فإنه يحلّ الحيوان إذا ذُبح لأجل الله، ويُحرِّمه إذا ذُبح لغير الله، والصورة واحدة.

وقال المحقق ابن القيم في كتاب "الروح": الشيء الواحد تكون صورته واحدة، وهو ينقسم إلى محمود ومذموم، فمن ذلك: التوكل والعجز، والرجاء والتمني، والحب لله والحب في الله، والنصح والتأنيب (التشهير)، والهدية والرشوة، والإخبار بالحال والشكوى، فإن الأول من كل ما ذُكر محمود، وقرينه مذموم، والصورة واحدة، ولا فارق بينهما إلا القصد.

........

- المصدر: كتاب "النية والإخلاص" لفضيلة الشيخ.