السؤال: ما حكم الشرع فيمن تبنَّى ولدًا ونسبه إليه وسماه باسم عائلته وأصبح واحدًا من الأسرة؟ وإذا كان هذا حرامًا، فكيف يكون إصلاح ذلك؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

التبنِّي حرام في الإسلام من غير شك، فالإسلام حرَّم التبنِّي، وهو: أن ينسُبَ الإنسانُ إلى نفسه من ليس ولدًا له، لا هو من صلبه، ولم تلده زوجته على فراشه، فينسُبه إلى نفسه، ويعطيه اسمه ولقبه، ويصبح واحدًا من أفراد العائلة.

كان التبني معروفًا عند العرب في الجاهلية، وكان معروفًا عند الرومان، وعند كثير من الأمم، وكان من حق الإنسان أن يتبنَّى من يشاء، ويدخل إلى أسرته من يشاء، فجاء الإسلام ورد الأمور إلى نصابها، وأعلنها واضحة: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب:4-5). لا يجوز للناس أن يغيِّروا الحقائق، فهذا الذي تقول: إنه ابنك. هو في الحقيقة ليس ابنك.

ويترتب على أن تنسب إنسانًا لنفسك بأن تتبناه: أحكام كبيرة وكثيرة، فهذا الشخص يصبح واحدًا من الأسرة، يطَّلِع على زوجتك، ويعتبرها أمه، وهي ليست أمه، ويطلِّع على عورتها، وتطلع هي عليه، وتختلي به، ويختلي بها، وما موقف هذا الطفل من بناتك اللائي يعتبرهن أخواته، وهن في الحقيقة أجنبيات منه، وما الحال في أخواتك وأخوات زوجتك؟ هو يعتبرهن عماته وخالاته، وهن لسن عماته ولا خالاته.

أذكر أن إحدى الأخوات ذكرت لي حالة مشابهة من ذلك: أخذت من إحدى المستشفيات- أو دور رعاية اللقطاء- ولدًا وبنتًا، ونسبتهما إلى زوجها، وكان زوجها يعمل دبلوماسيًّا في إحدى السفارات في أوربا، وبعثت إلى أهلها وقالت لهم: إنها حملت، وبعد فترة أخبرتهم بأنها وضعت طفلين ذكرًا وأنثى، ولما رجعت إلى بلدها، وكبر الطفلان أصبحت الأسرة كلها تعامل هؤلاء الأولاد على أنهم أولاد هذه المرأة، تقول: إن أختي المنتقبة لم تعرف القصة، والولد كبر وأصبح يختلي بأختي على أنها خالته، وهي لا تعرف.

ثم في الميراث سيرث هذا الطفل من هذا الرجل على أنه ابنهم، وهو ليس ابنهم، إذا كان للمتبنِّي إخوة وأخوات، سيحجبهم هذا الابن المتبنَّى من الميراث، مع أن الميراث حقهم!!

ولذلك أبطل القرآن التبني، فالطفل الذي تدَّعيه هو دعيٌّ وليس ابنًا حقيقة، لا يجري في عروقه دمك، ولا دم زوجتك، ولا دم فصيلتك، ولا دم فصيلتها، وأسرتك وأسرتها، {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} (الأحزاب:4). هذا كلام باللسان ولا يغير من حقائق الأمور شيئًا، ولذلك القرآن يقول:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}، هو أخ لنا في الدين، نواليه ويوالينا، تسميه اسمًا أيَّ اسم، ولا تنسبه إليك، وتعامله بالرفق وبالحسنى، وتعطيه حقه في المجتمع المسلم، وتتعهده بالرعاية، وتوصي له إن أردت بشيء من تركتك لا يزيد على الثلث، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة". وأشار بالسبابة والوسطى(1). فهذا الشخص أولى بالرعاية من اليتيم, لأنه لقيط لا يُعرف له أب ولا أم، واللقيط في معنى اليتيم، وهو بعد ذلك أولى من يطلق عليه "ابن السبيل" الذي أمر برعايته الإسلام.

فالتبنِّي لا يجوز، ومن وقع فيه يجب أن يصلح الخطأ، بأن يذهب إلى المحكمة ويعترف بأن الولد ليس ولده، وبأنه تبناه، وربما بعض البلاد تعتبر هذا الأمر جريمة، فيها غرامة أو حبس، لكن في سبيل تصحيح هذا الخطأ، بل هذه الخطيئة، لا بد للإنسان أن يتحمل مسئوليته؛ لأن هذا المتبنى سيظل واحدا من الأسرة إلى ما شاء الله، وكذا ذريته إلى يوم القيامة، ترث من هذه الأسرة وتنتسب إليها، وهي غريبة عنها، فهذا عمل سيئ وعليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة؛ لأن الرجل في هذه الحالة ليس فقط يكسب إثما على هذه الفعلة، بل عليه إثمه، وإثم الذرية التي تنتسب إلى هذه الأسرة إلى ما شاء الله من العقود والقرون حتى تقوم الساعة؛ ولذلك لا بد من تصحيح هذا الوضع.  

.....

(1) رواه البخاري في الطلاق (5304)، عن سهل الساعدي.