د. يوسف القرضاوي

هناك معاملة جارية في بلادنا، وخاصة في الريف، هي الاشتراك في تربية الحيوانات والمواشي؛ يدفع أحد الطرفين الثمن كله أو بعضه، ويقوم الطرف الآخر بالإشراف والرعاية، ويقتسمان النتاج والربح بعد ذلك.

ولكي نبدي رأينا في هذه الشركة وجب علينا أن نبين ما فيها من صور.

الصورة الأولى: الاشتراك لغرض تجاري بحت من الطرفين، كالاشتراك في تربية العجول للتسمين أو تربية الأبقار والجواميس لإنتاج اللبن، والمفروض هنا أن يبذل الطرف الأول أي الثمن من جانبه، ويبذل الطرف الآخر العمل، وهو الرعاية والإشراف، وما أنفق على الأكل والشرب ونحوهما فهو على الشركة لا على واحد منهما، وعند البيع، تطرح النفقة من ثمن البيع وما بقي من ربح اقتسماه حسب الشروط. وليس من العدل أن يلزم أحد الطرفين بالإنفاق، مع أنه لا ينتفع بشيء مقابله، مع أن الربح يقتسم بينهما. وهذا واضح.

والصورة الثانية: الاشتراك بين الطرف الذي يدفع الثمن، والطرف الآخر الذي يقوم بالنفقة والرعاية، وينتفع في مقابل ذلك بلبن الماشية أو بعملها في حرثه وسقيه وزراعته. ولا بأس بهذه الصورة استحسانا إذا كان الحيوان كبيرا ينتفع به فعلا بلبن أو يعرف تساويهما، ولا نسبة أحدهما إلى الآخر، وفيه نوع من الغرر. غير أنا استحسنا جواز ذلك ولم نعتبر هذا الغرر القليل لورود مشابه لذلك في الشريعة، ففي الحديث الصحيح في شأن الرهن إذا كان المرهون حيوانا يمكن أن يركب أو يحلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة". رواه البخاري عن أبي هريرة.

ففي هذا الحديث جعل النبي صلى الله عليه وسلم النفقة على الحيوان مقابل ركوبه إذا كان ذا ظهر يركب أو مقابل لبنه إذا كان ذا در يحلب. وإذا جاز هذا في الرهن لحاجة التعامل واستيثاق الناس بعضهم من بعض -مع أن قيمة النفقة على الحيوان قد تكون أقل أو أكثر من قيمة ما ينتفع به من ركوبه أو دره- فلا بأس أن نجيز مثل ذلك في شركة الحيوانات التي ذكرناها، لحاجة الناس أيضا.

وهذا الذي استنتجناه من هذا الحديث رأي خاص لنا، أرجو أن يكون سدادا. وأما الاشتراك في العجول الصغيرة (التي لا ينتفع منها بعمل ولا لبن) على أساس أن يكون الثمن من جانب، والنفقة من جانب، فإن قواعد الإسلام تأبى إباحة ذلك؛ لأن الطرف المنفق يغرم وحده، دون مقابل يعود عليه من عمل أو لبن، والطرف الآخر هو المستفيد الغانم على حساب هذا، وليس ذلك من العدل الذي يتحراه الإسلام في كل صور المعاملات.

فإذا أمكن أن يتقاسما النفقة حتى يأتي أوان الانتفاع، فهذا جائز فيما نرى.

.....................

* من كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" لفضيلة الشيخ.