د. يوسف القرضاوي

قبل أن يجيب الإنسان عن هذا السؤال، بل قبل أن يسأله، يلزمه أن يسأل نفسه سؤالين آخرين، لكي يتَّضح له الجواب، وتتبيَّن له الحقيقة كاملة مشرقة، لا يحجبها سحاب ولا ضباب:

السؤال الأول هو: مَن أنا؟ ومن أين جئتُ؟ وبعبارة أخرى: مَن أوجدني؟

السؤال الثاني هو: ما مصيري بعد أن وجدتُ؟ وإلى أين أذهب بعد الموت؟

ويعبِّر بعض المفكرين عن هذه الأسئلة بهذه الكلمات الموجزة: من أين؟ وإلى أين؟ ولِمَ؟

هذه هي الأسئلة الثلاثة التي صاحبت الإنسان منذ فكَّر وتأمَّل، ولا زالت تصحبه وتلحُّ عليه، وتطلب الجواب الشافي لها. فبدون هذا الجواب لا تتحدَّد كينونة الإنسان، ولا موضعه في الفكر، ولاإنها الأسئلة الخالدة التي حاولت كلُّ فلسفة في الشرق أو في الغرب أن تجيب عنها، بل لا تعدُّ فلسفة إذا أغفلت الجواب عنها.

من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ ومن أين جئت أنا الإنسان؟ ومَن جاء بي؟ وكذلك: من أين جاء هذا العالم الكبير من حولي؟

وإلى أين أسير وأرحل بعد أو أوجدت في هذا الكون؟ وإلى أين يسير هذا الكون أيضًا؟ وماذا بعد هذه الصفحات التي أطويها من كتابي الذي يسمى: «العمر»؟

ولماذا خُلقت في هذا العالم؟ وهل لي فيه من رسالة خاصة، ومهمة متميزة؟ وما هي هذه الرسالة، وتلك المهمة؟