د. يوسف القرضاوي
التوحيد يمنح صاحبه قوة نفسية هائلة؛ لما تمتلئ به نفسه من الرجاء في الله، والثقة به، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه، والاستغناء عن خلقه، فهو راسخ كالجبل، لا تزحزحه الحوادث، ولا تزعزعه الكوارث.
كلما ألمت به نازلة، أو حلت بساحته شدة، رفض اللجوء إلى الخلق، واتجه بقلبه إلى الخالق، إياه يسأل، ومنه يستمد، وعليه يعتمد، لا يرجو غيره في كشف الضر وجلب الخير، ولا يمد يده إلى أحد إلا الله ضارعًا داعيًا منيبًا إليه.
شعاره قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"، وقوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (يونس:107).
ألا ترى أن هودًا عليه السلام حين خوّفه قومه بكيد الأصنام له قال: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (هود:54-56)، منطق قوي يعبر عن نفس واثقة وعزيمة صُلبة، وإيمان لا يهون ولا يستكين، وروح لا تعرف الضعف ولا الخوف؛ لأنها تستمد قُوّتها من التوكل على الله {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال:49).