كانت قطر في بداية طريقها إلى التطور والنهضة العمرانية (1)، وكان لا يزال فيها معتمد بريطاني، فلم تكن قد حصلت على استقلالها بعد، وكان معظم السكان - حوالي ثمانين في المائة (80%) منهم - مركزين في الدوحة، وهي مدينة تقع على شاطئ الخليج شرقي قطر.

وكانت أشبه بقرية كبيرة، تريد أن تكون مدينة، وأعتقد أنها كانت حوالي (5%) خمسة في المائة مما هي عليه اليوم، أي أنها تضاعفت عشرين مرة اتساعًا، كما تضاعفت أيضًا ارتفاعًا، فأكثر المنازل فيها من طابق واحد، على النظام القطري المتوارث، وهو أن يكون الفناء أو «الحوش» في الداخل؛ لأن هذا أستر للعائلة، وأصون من أن يكشف الجيران بعضهم بعضًا، وبعض البيوت قد يكون من طابقين، وقليل جدًّا من ثلاثة، ولا سيما البيوت التي تعد للكراء والإيجار، ولا توجد بناية فيها مصعد.

وأشهر بناية في الدوحة كانت «دار الحكومة» التي فيها وزارة المالية والبترول وإدارة شئون الموظفين والإسكان على مستوى قطر كلها، وفيها يداوم نائب الحاكم وولي العهد ووزير المالية الشيخ خليفة بن حمد، وكان أشهر موظف في الحكومة هو داود فانوس مدير شئون الموظفين، الذي لا يعين موظف صغر أو كبر، ولا يرقى من درجة إلى أخرى؛ إلا عن طريقه، فلا يعين مدير ولا فراش ولا ناطور «حارس» إلا بموافقة فانوس.

ولم يكن التعيين أو الترقية وحدهما هما اللذين في يديه، بل الإسكان والتأثيث في يديه أيضًا، وفانوس فلسطيني الأصل، تجنس بالجنسية البريطانية، وأشهد أنه - رغم مسيحيته - كان رجلًا دمث الأخلاق، ويفهم عمله جيدًا، وكان يتعامل معي خاصة بلطف وأدب إذا احتجت إليه، ومن ذا الذي لا يحتاج إليه؟

الحالة الدينية في قطر:

كان أهل قطر أقرب إلى الفطرة السليمة، لم تفسدهم الحياة المدنية الحديثة. كانوا متعاونين متكافلين، يسأل بعضهم عن بعض، ويشد بعضهم أزر بعض، الابن يبر أباه، والقريب يصل رحمه، والجار يرعى جاره. الغالب على الناس الصدق، حتى إني أول ما ذهبت إلى قطر، لم يكن التلاميذ يعرفون الغش في الامتحانات، ولا يفكرون فيه، ولو تركتهم وحدهم في الصف ما حاول أحد أن يسرق معلومة من أحد.

وقد ظلوا هكذا عدة سنوات، ثم أصابتهم العدوى، من مصر وبلاد الشام وغيرها، وطفقوا يقلدون غيرهم، ثم تفننوا في الغش، حتى فاقوا من قلدوهم، وأمسى منهم من يكتب على ذراعيه، وعلى فخذيه، ومن يستخدم الجوّال «الموبايل» ومن... ومن... وعدوى الأخلاق أشد من عدوى الأجسام.

رأيت الجميع يحرص على الصلاة، وخصوصًا في المسجد، ويصحب الرجل أبناءه إلى المسجد، وكان الناس قد نظموا حياتهم وفق مواقيت الصلاة، فكانوا أقرب إلى النظام اليومي للحياة الإسلامية؛ فالمحلات التجارية تغلق أبوابها قبيل آذان المغرب، ولا تفتح إلا في صباح اليوم التالي، والناس يتناولون عشاءهم بعد صلاة المغرب، أشبها بما كان عليه أهل الريف قديمًا في مصر. فإذا صلوا العشاء أسرعوا إلى بيوتهم للنوم مبكرين.

وقبل الفجر تدب الحياة في قطر، ويتحرك الناس إلى المساجد، وبعدها يتناولون «الريوق» أي يغيرون ريقهم بتعبير المصريين بتناول الفطور، ثم ينطلق كل منهم إلى عمله، مستفيدًا من بركة البكور، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لأمتي في بكورها».

ولا يعرف قيمة هذا الوقت؛ إلا من وازن بين شخصين: شخص يقوم مبكرًا يتلقى الصباح من يد الله تعالى طاهرًا قبل أن تلوثه أنفاس العصاة والفجار، ويستقبل نسمات الصباح من أول يومه، قبل أن تشتد الشمس، ويسخن حرها ويتصاعد، وخصوصًا في بلاد حارة مثل بلدان الخليج، وآخر نؤوم الضحى، بال الشيطان في أذنيه، فلم يستيقظ إلا بعد أن أضاع هذه السويعات الجميلة، واستقبله وهج الشمس اللافح منذ يفتح النافذة أو الباب.

وكان مما ساعد الناس في قطر على الالتزام بهذا النظام؛ أنه لم يكن فيها إذاعة ولا تليفزيون ولا صحافة...  فكان الناس في راحة من الإعلام وأجهزته ووسائله؛ ولهذا كان الطلاب المجتهدون منكبين على الدراسة والتحصيل والاستذكار، لا يشغلهم عنها شاغل. ومما كان يساعد الناس على الالتزام بصلوات الجماعة في المسجد: كثرة المساجد الصغيرة المنتشرة في الأحياء، والمتقاربة إلى حد بعيد.

فقد كان هناك نوعان من المساجد: مسجد جماعة، وهو عادة محدود المساحة، بسيط في مبناه، وليس فيه منبر للجمعة، والآخر: مسجد جمعة، وهو عادة كبير، وفيه منبر، وتُصلى فيه الجمعة، وهو الذي يطلق عليه أهل قطر «الجامع». فليس الجامع عندهم كل مسجد، كما عرف الناس في مصر، بل مسجد الجمعة الكبير فقط.

وسر هذا فيما أرى: أن المذهب الحنبلي -وهو المذهب السائد في قطر- يرى أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال إلا من عذر، وليست سنة أو فرض كفاية، كما في المذاهب الأخرى؛ من هنا كان على الناس أن يكثروا من مساجد الجماعة الصغيرة؛ لتعين كثرة المساجد وقربها على أداء هذا الواجب.

وفي رأيي: أن هذا النهج في بناء المساجد نافع، وليته يتبع في مصر وفي غيرها، ويكون هناك مسجد لصلاة الجماعة، لا بأس أن يكون في أسفل العمارة أو نحو ذلك، ولا تُصلى فيه جمعة، أما مساجد الجمعة أو «الجوامع» فينبغي أن تكون واسعة ما أمكن ذلك، ولا سيما مع اتساع العمران، وكثرة المصلين، حتى إني لا أكاد أرى في مصر مسجدًا، إلا والناس يصلون الجمعة في الشوارع من حوله.


مسجد قديم في الدوحة نهاية السبعينيات 

وعلى ذكر المذهب الحنبلي، فقد كان هو المذهب الشائع والغالب بين أهل السنة في قطر، على خلاف سنة البحرين ودبي، فقد كان السائد عندهم هو مذهب مالك، وكان قليل من القطريين مالكية أيضًا، مثل الشيخ عليّ بن جاسم، شيخ أم صلال علي، فقد كان مالكي المذهب، ومثل قبيلة «الخليفات» فقد كانوا موالك، وإن كان الجيل الجديد منهم قد انصهر في الأغلبية الحنبلية بحكم دراسته التي تلقاها في المدارس. وكان في قطر أقلية شيعية جعفرية، ولكنها أقلية منسجمة مع الأكثرية، ومتفاهمة مع الحكومة، ولا تظهر أي مشكلات أو حساسيات من جهة الشيعة في قطر.

الحالة الاجتماعية:

وأهل قطر ينقسمون إلى أقسام: الأسرة الحاكمة، من آل ثاني؛ نسبة إلى ثاني بن جاسم، وأصلهم من قبيلة تميم العربية المعروفة من العرب المستعربة، التي تنتمي إلى عدنان، ومنه إلى إسماعيل عليه السلام، وفيها يقول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم  **  رأيت الناس كلهمو غضابا

وقريب من آل ثاني: أصهارهم وأقرباؤهم من القبائل، مثل آل العطية، وآل السويدي، والمعاضيد، الذين ناصروهم في معركة الزبارة التي وقعت بين آل ثاني وآل خليفة حكام البحرين، وانتصر القطريون، وأخرجوا آل خليفة من الزبارة، وتعتبر هذه المعركة من المفاخر التاريخية عند أهل قطر!

وهناك قبائل أخرى في قطر، مثل: المرة، والهواجر، وآل بوكوارة، والنعيمي، والخليفيات، والمانع، والمناعي، والخاطر، والمالكي، والنصر، وغيرهم، وبعض هذه القبائل تجدها مشتركة بين قطر والسعودية والبحرين والإمارات، فقد كانت المنطقة كلها مفتوحة لهذه القبائل، ترحل من مكان إلى مكان، وتهاجر من بلد إلى آخر، طلبًا للرزق أو للأمن أو لغير ذلك.

وهناك جماعات أخرى من أهل قطر يسمون: «الهولة»، ويقولون: إن أصل هذه الكلمة مأخوذة من «الحولة»؛ وذلك أنهم كانوا في الأصل من جزيرة العرب، وتحولوا إلى ساحل فارس، ثم عادوا إلى أصلهم، مثل: عائلات الأنصاري، وفخرو، وآل عبد الغني، والمفتاح، والصديقي، والعمادي، وغيرهم، وكلهم من أهل السنة، وبعض هؤلاء عاشوا سنين طوالًا في قطر، ولكنهم لم يتمكنوا من الحصول على الجنسية، وقد وُلد لهم أبناء وبنات في قطر، ولا يحملون جنسية، ولا جوازًا ولا بطاقة؛ ولهذا لا يستطيعون أن يغادروا قطر، بل لا يستطيعون أن يتزوجوا؛ لأن المأذون الشرعي أو القاضي الشرعي الذي يعقد لهم، يحتاج منهم إلى ما يثبت هويتهم، وهم لا يملكون شيئًا من ذلك، فلا هم يحملون الجنسية القطرية، ولا الجنسية الأصلية من إيران التي جاءوا منها. وهؤلاء هم الذين سموهم في الكويت: «الـ بدون» أي الذين بدون جنسية.

وإني لأرجو من حكام الخليج: أن يعاملوا هؤلاء بما يستحقون من الرحمة، ولا يدعوهم في العراء، لا تقلهم أرض ولا تظلهم سماء! وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.

وهناك أناس من شيعة إيران جاءوا إلى قطر، واستوطنوها، ومنهم من حصل على جنسيتها، وغدا من مواطنيها الأصليين، ومنهم من لم يحصل عليها، شأن «الـ بدون»، ولكن أمر هؤلاء الشيعة أهون من أهل السنة، فقد يستطيعون بغير صعوبة كثيرة الحصول على الجنسية الإيرانية، بخلاف أهل السنة.

وكانت المرأة في قطر ملتزمة بالحشمة، لم تغزها مفاهيم الحضارة الغربية وقيمها، التي غزت المرأة في البلاد العربية الأخرى مثل: مصر، والشام، والعراق، وغيرها. فكانت المرأة لا تخرج إلا وهي لابسة العباءة السوداء، تسترها من رأسها إلى أخمص قدميها، وكانت تلبس على وجهها «البطّولة» وهي شيء يشبه البرقع، تلبسه المرأة طول النهار، حتى وهي داخل بيتها، ولا تخلعه إلا عند الوضوء أو النوم؛ فقد أصبح عادة لا عبادة.

وإذا خُطبت الفتاة، فلا يمكّن خاطبها من رؤيتها، ولا يُسمح له بعد ذلك، حتى بعد العقد عليها؛ إلا ليلة الزفاف، وقد ظل هذا سائدًا إلى اليوم، حتى بعد أن دخلت الفتاة المدرسة والجامعة، وذهبت إلى السوق، وسافرت إلى الخارج، يمكن أن يراها المعلم والطبيب وأستاذ الجامعة، وركاب الطائرة، والناس في القاهرة وبيروت ولندن وباريس، إلا شخصًا واحدًا، هو المسكين الذي لا يؤذن له أن يراها، وهو خاطبها، بل زوجها الذي عقد عليها.

وفي مقابل هذا ما رأيته في مصر، عند كثير من الأسر المتحررة! حيث يذهب الخاطب مع خطيبته يتأبط ذراعها، ويذهبا بعيدًا في المتنزهات أو حفلات السينما، ولا رقيب ولا حسيب، وهي لا تزال أجنبية منه. وكثيرًا ما تنتهي هذه الفترة بفسخ الخطبة، وهنا تكون الحسرة والندامة.

والخير في الموقف الوسط بين المُفْرِطين والْمُفَرِّطين، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة حين خطب امرأة: «أنظرت إليها؟» فقال: لا، قال: «اذهب فانظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»، أي يحصل بينكما الإدام والألفة، فإن العين رسول القلب.

وبعض فتيات الخليج اليوم خلعن البطّولة وخلعن العباءة، وسرن وراء التقاليد أو «التقاليع» الغربية، وبعضهن التزمن هذه التقاليد في أوطانهن، فإذا خرجن منها، صدر منهن الأعاجيب، ولا زلت أذكر حين سافرت من مدينة خليجية كبرى، إلى باريس، وكنت راكبًا في الدرجة الأولى، ودخل عليّ مجموعة نساء لم أر منهن شيئًا إلا سوادًا في سواد، وكنا في منتصف الليل، وقبيل الصباح: أيقظنا المضيفون لنستعد للنزول في باريس، فالتفت فلم أر السواد الذي رأيته في الليل، ورأيت مكانه نساء على أحدث «المودات» فقد ظهرت الشعور والنحور والصدور والأذرع والسيقان، مع ألوان الزينة والعطور ونمص الحواجب، وكل ما يسمونه «الماكياج» فلم أملك إلا الحوقلة والاسترجاع.

وهذا دليل على أن الوازع الذاتي هو الأساس؛ لأنه يصحب الإنسان في خلوته وجلوته، وحضره وسفره، {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (البقرة: 115)، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الحديد:4)، على أن هناك أعدادًا كبيرة جدًّا من الفتيات في الخليج التزمن الحجاب «الخمار الشرعي» كما قال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور:31)، بل منهن من التزمت النقاب وغطت وجهها طوعًا واختيارًا، وهؤلاء الملتزمات هن الأكثرية العظمى من بنات قطر، كما يظهر في الطالبات الجامعيات، والحمد لله.

ولأهل قطر تقاليد في الزواج، بعضها لا تمت بنسب إلى الإسلام، منها: الغلو في الصداق، فهم يتباهون بما يقدم للفتاة من مهر؛ فكأنما هي سلعة، فإذا كانت غالية، دفع فيها ثمن أكبر، ونسي هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم زوج بناته بأقل ما يمكن من المهور، وتزوج نساءه كذلك، وقال: «أقلهن صداقًا أكثرهن بركةً»، وقال لبعض أصحابه: «التمس ولو خاتمًا من حديد»، ولما لم يجد حتى هذا الخاتم قال له: «زوجناكها بما معك من القرآن».

ومن التقاليد: المبالغة في هدايا العرس، وكثير منها قد لا تنتفع بها العروس، مثل ما يسمونه «الدزّة» وهي مجموعة من الحقائب مليئة بالملابس، جاء بها أهل المعْرِس «الزوج» على أذواقهم، وقد لا توافق ذوق العروس ولا تناسبها، ولكنها للفرجة والمباهاة، وكذلك هدايا من حلي الذهب على الذوق القديم، ثقيلة الوزن، غالية الثمن، قد تلبسها العروس ليلة الزفاف ليراها الآخرون، ثم تخلعها فلا تكاد تلبسها بعد ذلك.

ومن التقاليد المتوارثة عند القبائل: أن البنت لابن عمها، لا يجوز لها أن تتزوج غيره، وكأن هذا عهد مقدس لا يجوز الإخلال به. وكثيرًا ما لا يكون ابن العم راغبًا في ابنة عمه، وهي تبادله نفس الشعور. ولكن تقاليد العائلة أو القبيلة الصارمة تفرض نفسها عليهما، وتسوقهما كرهًا إلى الزواج المحتم فشله، فإما أن ينتهي بالطلاق، وإما أن ينتهي بزواج الرجل بأخرى، وتبقى ابنة عمه المسكينة معلقة، لا هي متزوجة، ولا هي مطلقة.

وهذا يذكرني بالقبائل العربية في صعيد مصر، فعندهم نفس هذه الأفكار والتقاليد، فلا يجوز للفتاة إلا أن تتزوج من القبيلة، ولو تقدم إليها واحد من خارج القبيلة، ولو كان أستاذًا جامعيًّا أو مديرًا عامًّا أو حتى وزيرًا، لرفضوا تزويجه، وعندهم مثل يقول: يأكلها تمساح، ولا يأخذها فلّاح، والفلاح: كل من لا ينتمي إلى قبيلة ولو بلغ مركزه ما بلغ.

والقبائل في قطر أيضًا لها أوزان، فليس كلها قابلًا لأن تزوج الفتاة منهم، وإن كان تزوج الفتى من بعضهم يمكن التجاوز فيه، فالحجر إنما هو على الفتاة لا على الفتى! وهذه كلها اعتبارات ضيق الناس بها على أنفسهم، وعسّروا ما يسّر الله، والشرع الإسلامي يعتبر الناس كلهم سواسية، وأسرة واحدة، تجمعهم العبودية لله، والبنوة لآدم. فربهم واحد، وأبوهم واحد، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات:13)، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».

الحالة الاقتصادية:

كانت الحالة الاقتصادية في قطر في بداية انتعاشها، وحظ قطر من النفط ليس كحظ الكويت أو أبو ظبي، ولكنها أحسن حالًا من البحرين جارتها، كما أن قلة سكانها يجعل نصيب الفرد من الدخل من أعلى المستويات في العالم؛ ولهذا كان عدد التجار الكبار في قطر محدودًا، مثل: آل الدرويش «قاسم فخرو وإخوانه»، وآل ناصر «عبد الغني ناصر وإخوانه»، وآل المناعي، والمانع، وغيرهم، وأكثر التجار الصغار من الهنود والباكستانيين، وإن كانوا أقل من نظرائهم في دبي.


ميناء الدوحة قديما

وكان أشهر سوق في قطر هو «السوق الضيق»، و«سوق واقف»، وقلما توجد محلات كبيرة، ما عدا البيت الحديث للدرويش، وكانت «الروبية الهندية» هي العملة السائدة في قطر، وظلت هكذا حتى غُيرت بعد الاستقلال إلى الريال.

وكانت الحياة تعتبر رخيصة بالقياس إلى ما حدث بعد سنوات، وإن كنا نحن نعدها غالية، بالنظر إلى الحياة في مصر، لا سيما أن مرتباتنا كانت محدودة نسبيًّا، فقد عينت بمرتب (1475) روبية، وهو أول ما يعين عليه موظفو الدرجة الأولى «سينار اصطاف» ولم يكن هناك بدلات أخرى.

وكان الجنيه المصري يحول بإحدى عشرة روبية، فكان الموظف إذا توفر له في السنة ألف جنيه، يعتبر فضلًا ونعمة، ومع هذا كان للروبية قيمة، بل كان ربع الروبية له قيمة كذلك، ويسمى «الأربع آنات»، فقد كانت الروبية مقسمة إلى ست عشرة آنة، وهناك نصف الروبية وربع الروبية.

وكانت معظم الخضراوات والفواكه تأتي من لبنان والأردن وربما من سوريا، ومن إيران والهند، أما ما يأتي من إيران والهند فيأتي عن طريق البحر، وأما ما يأتي من بلاد الشام فيأتي عن طريق البر، عن طريق سيارات النقل الكبيرة، وكل هذه تصب في السوق التي يسميها الناس: «الشَّبْرا».

وبجوارها سوق للحم، وسوق للسمك الذي له رواج كبير عند أهل الخليج، فهو يعتبر - مع الأرز - الطعام الأساسي، وهناك أنواع من السمك غير السمك المشهور في مصر من البوري والبولطي والقرموط وغيرها، لكن هنا الكنعت والصافي والشعري وغيرها. وكان سمك الهامور أول ما ذهبنا إلى قطر رخيصًا جدًّا، الكيلو بريالين أو نحو ذلك، إذ كان الناس لا يعرفونه، ولا يهتمون به، وبخاصة أنه يحتاج إلى سلخ وتنظيف، قد لا يحسنه كل الناس.

وكانت بعض الأشياء تأتي في الطائرات، وكان الذين قدموا قبلنا إلى قطر، ينتظرون كل أسبوع الطائرة التي تأتي بالخضار من لبنان، ونحن لم ندرك هذه الفترة، فقالوا لنا: أنتم محظوظون.

وكان مطار الدوحة صغيرًا جدًّا، ومحدودًا جدًّا، وكانت طائرة الخليج التي تنقل الركاب بين دول الخليج بعضها وبعض طائرة صغيرة بمحركات، أطلق عليها الناس: أم أحمد.

.....

(1) قَدِم فضيلة الشيخ رحمه الله إلى الدوحة في غرة ربيع الآخر سنة 1381هـ الموافق 12-9-1961م.