مِن كلمة فضيلة الشيخ القرضاوي رحمه الله إلى الشعب التركي للمشاركة في الانتخابات السابقة:

لقد قادت تركيا العالم الإسلامي زمنا طويلًا وكانت هي دولة الخلافة الإسلامية، التي كانت تحمي ديار الإسلام ضد أعدائه، وتعمل على إقامة دين الله وتطبيق شريعته.

وكما كانت تركيا رائدة في الماضي ها هي تعود رائدة للحاضر، ومستشرفة للمستقبل، منارة للديمقراطية، ونموذجًا للنهضة.

إن  الأمة الإسلامية جسد واحد، وإن ما تنتظره الأمة من تركيا الغد وتركيا المستقبل لكثير.

والإدلاء بالرأي في هذه الانتخابات فريضة دينية، على كل مسلم أن يشهد بما يراه صوابًا، وما يرى فيه صلاح بلده وأبناء شعبه. فأنا أرى الانتخاب لكل من يُدعى إليه شهادة في حق من حقوق الله؛ لأنها يترتب عليها حقوق عامة؛ وهي ما يطلق عليه الفقهاء «حقوق الله».

فكل من طلب منه أداء صوته يجب أن يُدلي به، ولا يمتنع من ذلك؛ سواء كان رجلا أو امرأة؛ كما قال تعالى: { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (البقرة: 282).

فلا يجوز له أن يتبرأ أو يحاول كتمان  الشهادة؛ كما قال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (البقرة: 283)، وهذه العبارة توحي بأن كتمان الشهادة من الكبائر؛ وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} (البقرة: 140).

فإذا وضع شهادته لغير من يستحقها؛ سواء كان رئيسًا للجمهورية، أو رئيسًا لأي سلطة له حق اختيارها، أو نائبًا من نواب مجلس النواب أو مجلس الشعب، أو مجلس الأمة، فإذا خان الشخص ضميره؛ وأغضب ربه سبحانه وتعالى، وخالف في اختياره من يراه أهلًا لتمثيل الأمة أو تمثيل الدائرة أو تمثيل الجهة التي رُشِّح فيها؛ فقد خان الأمانة التي أمر الله تعالى بآدائها؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء: 58).

لقد علَّمنا القرآن الكريم المعيار الصحيح لاختيار من يمثل الأمة وينوب عنها، ويتحمل مسؤوليتها، وهو ما ورد على لسان سيدنا يوسف الصديق حين أخرج من السجن لملك مصر، حين عرف براءته وعلمه وخبرته: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف: 54-55).

وكذلك ما جاء على لسان ابنة الرجل الصالح في وصف موسى عليه السلام: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: 26).

أطالب الشعب التركي المسلم في مجموعه باسم الإسلام: أن ينتخب لرئاسة جمهوريته رئيس الوزراء المسلم رجب الطيب أردوغان؛ الرجل القوي الأمين، الحفيظ العليم، المخلص لبلده ودينه وأمته، الذي أثبت بقدرته وشجاعته، وذكائه ورؤيته، وإخلاصه وسعة أفقه، وقوة حزبه، وائتلاف الشعب معه: إنه الرجل الصادق الذين أمرنا الله أن نكون معه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119) فواجب أن نكون مع الصادقين حتى يفوزوا، ومع فوزهم حتى يحققوا رجاءهم،  ومع بدايتهم حتى تستمر مسيرتهم.