أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:99)، أي الموت. كما قال تعالى على لسان قوم: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} (المدثر:46، 47)، وهو الموت. فالتكليف بالعبادة لازم له حتى يلحق بربه، لم تسقط عنه بسمو الروح، ولا بالاتصال القوي بالله. وهكذا ظلَّ حتى في مرض موته عابدًا لله.
وقال تعالى في شأن المسيح عيسى ابن مريم الذي رفعه قومه إلى مرتبة الألوهية: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا } (النساء:172، 173).
ويعرض لنا القرآن مشهدًا من مشاهد يوم الحشر، يسأل الله فيه المسيح عما نسبوه إليه وافتروه عليه، فيجيب في أدب العبودية متبرئًا مما صنعوا: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (المائدة:116، 117).
ويروي إنجيل متَّى عن المسيح أن إبليس اللعين أراد أن يختبره فأخذه إلى جبل عالٍ جدًّا، وأراه جميع ممالك الدنيا ومجدها، ثم قال له: أعطيك هذه كلَّها إن خررت ساجدًا لي. حينئذ قال له المسيح عليه السلام: اذهب يا شيطان، فإنه قد كتب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.
فالأديان كلُّها دعوة إلى عبادة الله وحده، والأنبياء جميعًا أول العابدين لله.
وعبادة الله وحده هي - إذن - مهمة الإنسان الأولى في الوجود، كما بيَّنت ذلك كلُّ الرسالات.