الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فهكذا جَلَّ الخَطْب، وفَدَحَ الأمر، وعَظُم المُصاب بفقد العالم العَلَم، والجبل الأشم، والإنسان الشهم! قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾ (القصص:68).

لقد اختاره الله عز وجل على علمٍ بأبناء هذا الزمان، فجعله مَعينًا لا ينضب، وذخيرةً لا تنفد، وتراثًا يتجدَّد.

ومهما قيل عن فضائله ومآثره وسوابقه وأوائله، فإن أول ما يلحظ: توفيق الله عز وجل له، وعنايته به! ولولا هذه العناية لكان ككثيرٍ من علماء موهوبين انقضت حياتهم، ولم يتحقق تمام النفع بهم!

وقد يقبض الله عز وجل عالمًا في الثلاثينيات من عمره بعد أن يترك مصنفًا أو مصنفين، فيخلد في الناس ذِكره بما كتب الله عز وجل له من القبول!

فكيف بمن ترك مائتي مصنف وعاش مائة سنة؟! وفوق ذلك كان الله عز وجل في عونه!

إنَّ القرضاوي رحمه الله آية في منافسة الزمان، وسبق الأقران، ونفع بني الإنسان!

ومن طريف ما سمعت في حقه: أنه إذا تنحنح كانت خطبة، وإذا أخذته سعلة كانت قصيدة، وإذا علق تعليقًا كان كتابًا!

وحيث قد بلغ في العلم شَأْوًا بعيدًا، وفي الإمامة منزلًا فريدًا، فلم يكن بمستغربٍ أن يكون للحق رَجَّاعًا، وعند دلائل القرآن والسنة وقَّافًا! وقد أمدَّ الله عز وجل أجله، وبارك له في تلامذته، فما زالوا محيطين به، مراجعين لكتبه، مقومين لاجتهاداته، وذلك فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء!

لقد مات القرضاوي وبقيت علومه، ولقد غاب عن الحياة واستمرت مؤسساته، ولقد لقي ربه بعد أن شهدت له القارات الست بأن قد جَابَها إلى الله تعالى داعيًا، وبالإسلام مبشرًا، وعن أحكامه منافحًا، فطوبى لمن طال عمره، وحسن عمله، وشهد له شيوخه وأقرانه وتلاميذه!

عوَّض الله عز وجل الأمة عن فقد علمائها الصالحين، ودعاتها الموفقين، وأحسن العزاء في شيخها القرضاوي، وقَبِلَ فيه شفاعة أهل هذا الزمان من عباده المؤمنين، وجمعنا جميعًا تحت راية إمام المرسلين وخاتم النبيين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

د. محمد يسري إبراهيم

الدوحة - قطر

5/3/1444هـ - 1/10/2022م