ودعنا ليلة الخميس غرة المحرم 1442هـ - الموافق 19 أغسطس 2020م. الأخ الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان أستاذ الشريعة والقانون والاقتصاد الإسلامي، والخبير في مجال الصَّيرفة والتأمين والمؤسسات المالية الإسلامية، والمجامع الفقهية، وأحد أبرز أعلام الصناعة المالية الإسلامية، وأحد الفقهاء الكبار المعاصرين في القانون، وصاحب التأثير الكبير في الساحتين الاقتصادية والقانونية، والرقابة الشرعية البنكية، وصاحب المؤلفات العلمية المحكمة في الفقه الإسلامي.

كما كان رحمه الله عضوًا مؤسسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضوا بالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعضوا كذلك بمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وخبيرا بالمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وترأس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، كما ترأس عدة هيئات شرعية للعديد من المؤسسات المالية الإسلامية.

تعرفت عليه وهو طالب في الأزهر الشريف؛ وقد بدأ الدراسة متأخرا؛ إلا أنه فاق أقرانه. ولقيته في أول مؤتمر أشارك فيه وأسافر من قطر لحضوره سنة 1972م. في مدينة البيضاء بليبيا، وقد شارك فيه عدد من العلماء المرموقين، من أبرزهم: الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عليّ الخفيف، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ صبحي الصالح، وغيرهم ممن لا يحضرني أسماؤهم الآن.

كما لقيته في المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، الذي عقد بالمملكة العربية السعودية، في فبراير 1976 م. والذي جسَّد الصحوة الإسلامية في تلك المرحلة، في ميدان من أخطر الميادين التي غزتها الثقافة الغربية، وهو ميدان الاقتصاد والتأمين.

وكان من البحوث التي احتدّ فيها النقاش: بحث «التأمين بين الحل والحرمة»، وقد كتب فيه عدة أشخاص، وكان جل النقاش بين العلامة الشيخ مصطفى الزرقا، والأستاذ الدكتور حسين حامد حسان، حيث يميل الزرقا إلى الإباحة بقيود، ويميل حسان إلى التحريم.

ثم لقيت الدكتور حسين حامد حسان في عشرات الندوات التي كانت تعقدها مؤسسة البركة لمديرها ومؤسسها الشيخ صالح كامل رحمه الله في جدة، وفي عدد من المؤتمرات الأخرى. وكان الرجل حريصا على المشاركة في المؤتمرات العلمية والاقتصادية، لا يكاد يغيب عن مؤتمر أو مشاركة في هيئات الرقابة على البنوك الإسلامية.

كما التقيته أثناء زيارتي للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد؛ وقد كان رئيسا لها في الثمانينيات من القرن الماضي. وكانت سنوات رقي وازدهار لباكستان أيام حكم الرئيس ضياء الحق رحمه الله. وكان يديرها رحمه الله مع ثلة من علماء باكستان، وغيرهم من أكابر علماء العالم؛ بالإضافة إلى مجموعة من رجالات مصر وشيوخها الفضلاء أمثال الدكتور حسن الشافعي، والدكتور أحمد العسال، وغيرهما.

نشأة بسيطة ونبوغ مبكر:

ولد الدكتور حسين حامد حسان في شهر يوليو عام 1932م. بمحافظة بني سويف، في مصر. وقد مات أبوه وهو في السادسة من عمره؛ كما حُرم أبناء قريته من التعليم لبعد قريتهم عن مركز التعليم آنذاك. ولم يفكر هو في التعليم إلا متأخرا عندما كان في الثانية عشرة من عمره؛ لنظرا لظروف وفاة والده.

ويبدو أن هذا التأخر في الاتجاه نحو التعليم قد ترك في عقله تحفزا جامحا، وفي قلبه رغبة متوقدة؛ حتى قال عن نفسه: إنه تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم معًا في 6 أشهر!

ثم التحق بالمعهد الأزهري بالقاهرة.. وما أن وطئت قدماه القاهرة، وبعد عام واحد من دخوله الأزهر حتى كان يرنو إلى تعلم اللغة الإنجليزية؛ حتى ينقل ما تعلمه لغير أهل دينه، ويدعو غير المسلمين إلى الإسلام. وكان شغوفا بدراسة اللغة الإنجليزية؛ حتى أتقنها في زمن يسير.

نهم علمي:

لم يكتفِ الدكتور حسين حامد حسان رحمه الله بالتعليم الأزهري بالرغم من كثرة مقرراته وعمق دراسته، حتى جمع إليه التعليم العام؛ فكان يدرس في الصباح التعليم الأزهري، وفي المساء التعليم العام في وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليا) فحصل على الثانوية الأزهرية والثانوية العامة معًا ليدخل جامعة الأزهر وجامعة القاهرة في الوقت نفسه، ويلتحق بكلية الشريعة وكلية الحقوق في آن واحد.

ثم واصل دراسته العليا في الجامعتين معا، وحصل على الدكتوراه في الشريعة من جامعة الأزهر، ودكتوراه في القانون من جامعة القاهرة.

ثم درس في المعهد الدولي للقانون المقارن بجامعة نيويورك: دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانونين الإنجليزي والأمريكي. هكذا كان ميل الرجل للعلم، ونهمه للقراءة وشغفه بالتعلم!

مدرسة الشاطبي:

وقد تأثر الدكتور حسين حامد بعدد من علماء الإسلام، ومنهم الإمام الشاطبي رحمه الله؛ فقد تأثر بمنهجه في كتابه (الموافقات)، وجعله عمدة له في الكثير من بحوثه وآرائه؛ وقد رأى أن محتوى هذا الكتاب لم يسبق الشاطبي إليه أحد، ولم يلحق به غيره.

مساهمات بناءة:

وللدكتور حامد حسان العديد من المساهمات البناءة؛ فقد ساهم في وضع قانون المعاملات المدنية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية لمصر؛ (مشروع تقنين المعاملات المدنية)؛ ليحل محل القانون المدني المصري.

كما عمل وعاون على أسلمة القوانين الباكستانية، وتحويل النظام الاقتصادي والمصرفي للعمل بالشريعة الإسلامية. ومما يحسب لدولة باكستان أنها حولت النظام المصرفي كله إلى الشريعة الإسلامية، ولم تجعل هناك ازدواجا في البنوك أو المعاملات.

كما طُلب منه أيام الملك إدريس السنوسي بليبيا وضع أول قانون للأحوال الشخصية لليبيا على أرجح الأقوال في مذهب الإمام مالك.

كما ساهم في جهود تطبيق الشريعة بالكويت، وراجع مشروع قانون شركات التأمين الإسلامي بها، وساهم في إعداد دستور جمهورية كازاخستان والقوانين المكملة للدستور.

وساهم في صياغة الدستور المصري بعد ثورة يناير عام 2012م. وقام بقراءة مسودته أمام الأعضاء، وعلى شاشات الفضائيات المختلفة.

الوظائف التي شغلها:

عُيِن معيدا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتدرج في وظيفته، حتى صار رئيسا لقسم الشريعة بها، وأُعِير رئيسا للدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن علي السنوسي الكبير بليبيا، ورئيسا للدراسات العليا الشرعية بجامعة الملك عبد العزيز، وأُعِير لإنشاء الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد عام 1979م، عقب إعلان باكستان تطبيق الشريعة الإسلامية، وعين عضوا في مجلس أمناء هذه الجامعة، وتولي رئاستها لمدة أربعة عشر عاما.

وعَمِل مستشارا قانونيا واقتصاديا لرئيس جمهورية كازاخستان، ومستشارا لرئيس جمهورية باكستان الإسلامية لشئون التعليم الإسلامي، ومستشارا لأمين عام رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومستشارا لرئيس مؤتمر العالم الإسلامي بجدة، وخبيرا بالاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية.

رؤية إسلامية وحلول واقعية:

عالج الدكتور حسين حامد الكثير من المشكلات التي كانت تواجه البنوك برؤية إسلامية وحلول واقعية؛ فقد كان فقيهًا متمكنًا، يلج ببراعة نادرة إلى لب الإشكال وموضع النظر في النوازل والمستجدات الفقهية، وكان ممن يحسنون تكييف المسائل الفقهية، وتنزيل الأحكام على الواقع.

كان كل ما يتمناه عودة الأمة إلى الإسلام شريعة ونظاما في كل مجالات حياتها، حتى يصبح أبناء الإسلام كما كانوا وكما أراد الله عز وجل لهم أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس.

مؤلفاته:

ترك الدكتور حسين إرثًا علميًّا ضخمًا في مجالات الشريعة والقانون، والاقتصاد الإسلامي، والفقه المقارن، والتمويل والمعاملات المصرفية الإسلامية، والتأمين الإسلامي؛ ومنها: (نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي - نظرية التأمين العيني في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة مع القانون المدني- حكم الشريعة الإسلامية في عقود التأمين: دراسة مقارنة بالقانون المدني- أثر التضخم في الحقوق والديون الآجلة- المصلحة وتطبيقاتها المعاصرة في المجال الاقتصادي- نظام الإرث في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الإنجليزي والأمريكي-الاستثمار الإسلامي وطرق تمويله- الصكوك الإسلامية ودورها في تمويل المشروعات الإنتاجية- المعاملات المالية ومقاصد الشريعة الإسلامية- أسس التكافل التعاوني في ضوء الشريعة الإسلامية.( والعديد من المؤلفات والبحوث غيرها.

في مجال الترجمة:

كما أشرف على مشروع ترجمة (200) كتاب إسلامي من اللغة العربية والإنجليزية إلى اللغة الروسية، وقام بطبع وتوزيع هذه الكتب داخل جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق، وهو المشروع الذي مولته جمعية اقرأ الخيرية لصاحبها الشيخ صالح كامل رحمه الله تعالى، وقامت أكاديمية الدعوة بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، أثناء رئاسته للجامعة، بتأليف وترجمة ما يزيد على 400 كتاب إسلامي إلى ما يزيد على 20 لغة.

محاربته للاقتصاد القائم على الربا:

كان الدكتور حسين حامد رحمه الله على يقين أن أسباب نكبة الأمة الإسلامية هي إصرارها على أن يكون نظامها الاقتصادي ربويا. وقال: إن الله عز وجل لم يذكر في جريمة من الجرائم أنه يعلن حربا هو ورسوله على مرتكبيها إلا على آكل الربا.

وممن تستمد العون والرخاء والأمن أمة تحارب الله ورسوله. إنني على يقين أن الله يمحق الربا من الأفراد ومن الدول ومن الشعوب.

إن التنمية لا تكون عن طريق القروض وإنما بطريق جمع مدخرات المسلمين وتوجيهها وجهة استثمارية إسلامية، والمساهمة في خطط التنمية.

إن الاقتصاد الإسلامي نظام معجز، وهو الوحيد الذي يمكن أن ينقذ البشرية ويحقق العدالة بين أفرادها، ويجنبه الركود والتضخم وكل أمراض الاقتصاد الذي أنتجته وأفرزته الاقتصاد الربوي.أ.ه.

رحم الله الأخ الحبيب الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان أستاذ الاقتصاد الإسلامي.. الذي بذل جهده وواصل الليل بالنهار في سبيل إعلاء صرح الاقتصاد الإسلامي، وبنائه على أسس إسلامية متينة؛ من خلال الكثير من الدراسات النافعة، والإشراف العلمي والعملي على العديد من المؤسسات الاقتصادية الإسلامية. اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واجزه خيرًا عن الإسلام والمسلمين، واجعل ما قدمه في ميزان عمله يوم القيامة، واخلفه في عقبه بخير.

يوسف القرضاوي