السؤال: هل تجوز أداء خطبة الجمعة بلغة غير العربية، كالفارسيَّة أو الهنديَّة أو غيرهما من اللغات؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه. (وبعد)
لا بأس أن تُؤدى الخطبة بغير العربية، إذا كان الحاضرون لا يفهمون العربية، ولكن بشرط أن تكون مقدمة الخطبة باللغة العربية؛ يقرأ الحمدلة والشهادتين، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويقرأ الآيات باللغة العربية، ثمَّ يترجم معناها أو تفسيرها، والخطبة الثانية ينبغي أن تكون كلها باللغة العربية؛ لأنَّها في الغالب يكتفي الخطباء فيها بالحمدلة والشهادتين والدعاء، وقول الله: ﴿إِنّ الله يأْمُرُ بِالْعدْلِ والْإِحْسانِ وإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وينْهى عنِ الْفحْشاءِ والْمُنْكرِ والْبغْيِ يعِظُكُمْ لعلّكُمْ تذكّرُون﴾ (النحل:90).
فبذا نجمع بين الأمرين تكون بعض الخطبة بالعربية، وبعضها بغير العربية.
فمن غير المعقول أن نلزم الإمام أن يُلقي الخطبة باللغة العربية والحاضرون لا يفهمونها؛ لأنَّهم لن يستفيدوا من الخطبة شيئًا، والله تعالى يقول: ﴿وما أرْسلْنا مِنْ رسُولٍ إِلّا بِلِسانِ قوْمِهِ لِيُبيِّن لهُمْ﴾ (إبراهيم:4). فلا بد من البيان والإفهام، والشريعة إنَّما جُعلت للبيان والإفهام، ولكن لكَيْلَا نُحرم بركة اللغة العربية ينبغي أن يكون أجزاء من الخطبة بالعربية.
والمسلم ينبغي له أن يتعلم اللغة العربية، وقد ذهب الإمام الشافعي إلى أن تعلم اللغة العربية واجب، حيث قال: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها. وهذا في الحقيقة ما كان يسير عليه الصحابة والسلف الصالح، كانوا إذا فتحوا بلدًا ينشرون الإسلام، وينشرون العربية معه، فكان الإسلام والعربية يسيران جنبًا إلى جنب، وهذا ما جعل كثيرًا من البلاد، كمصر والشمال الإفريقي تتكلم العربية، بل كانت بلاد فارس (إيران) تتكلَّم العربيَّة فترة طويلة، وخرج منها أئمَّة الإسلام، وأئمَّة السُّنَّة، وأئمَّة الفقه، بل أئمَّة اللغة الَّذين ألفوا في علوم العربية نحوًا وصرفًا وبلاغة، كسيبويه والزمخشري والجُرْجاني وغيرهم، هم عجم في الأصل، ومع هذا كانوا أئمَّة العربية.
ولكن - للأسف - حدثت أحداثٌ غلَّبت العُجمة على العربية، فانتشر الإسلام ولم تنتشر معه العربية، فدخل الإسلام بين الأتراك والأكراد، ولم تدخل العربية معه كما كان السلف يفعلون، وكذا إندونيسيا وماليزيا وشبه القارة الهندية، دخل فيها الإسلام ولم تدخل العربية معه، ولو أن العربية سارت مع الإسلام جنبًا إلى جنب؛ لكان العالم الإسلامي الآن كله عربيّا، يتحدث اللسان العربي، لأن اللغة هي الَّتي تعرب الناس، كما ورد في بعض الآثار: «ليست العربية بأحدكم من أبٍ ولا أمٍّ، فإنَّما هي اللسانُ، فمن تكلَّم بالعربيَّة فهو عربيٌّ».
على كلِّ حال الخطبة تكون بلغة القوم الَّتي يفهمونها، ولكن مقدمتها وخاتمتها والخطبة الثانية ينبغي أن تكون بالعربية، وكذا آيات القرآن تكون باللغة العربية، والأولى أن تكون الأحاديث النبوية - خاصَّة الأحاديث القصيرة - باللغة العربية، مثلًا حديث: «إنَّما الأعمال بالنيَّات». ينطق الحديث باللغة العربية، ثمَّ يشرحه مترجمًا باللغة المحلية.
ومعنى هذا أنَّه ينبغي أن يكون الخطيب مُتْقِنا للعربية؛ فمن يقود النَّاس ويُفهمهم الإسلام ينبغي أن يكون عالمًا بالعربية، ناطقًا لها؛ حتَّى يفهم كلام الله وكلام رسوله.