أولويات الحركة الإسلامية

تحميل الكتاب

مقدمة

 

أحمد الله تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلي وأسلم على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه.. وبعد:

فقد كانت فرصة طيبة جمعني فيها القدر بالأخ الكريم الأستاذ محمد الهاشمي الحامدي الكاتب الصحفي المسلم الواعي، حين جمعنا المؤتمر السنوي لرابطة الشباب المسلم العربي - في أمريكا الشمالية في الشتاء المنصرم (ديسمبر1989م) وحدَّثني فيها عن «مركز دراسات المستقبل الإسلامي» الذي تعاون على إنشائه مجموعة من المفكرين المسلمين، وضرورةِ تعاوني معه، ودعمي له.

 

كما حدَّثني عن عزم هذا المركز على عقد ندوة حول «قضايا المستقبل الإسلامي»، وعن موضوعات هذه الندوة، والمشاركين فيها، ورأيي في ذلك، وقد رحبت بالمركز والندوة، ولم أبخل بنصح ولا مشورة، ولكنه -أيده الله- أصرَّ على أن يأخذ مني وعدًا مؤكَّدًا بالمشاركة فيها، ولكي يغريني بالحضور قال: إننا سنعمل على عقدها بالبلد الذي تحبه ويحبك: الجزائر، وطلب إليَّ أن يكون بحثي للندوة عن «أولويات الحركة الإسلامية في العقود الثلاثة القادمة» لمَّا رآني شديد الاهتمام بما أسميه «فقه الأولويات»، والتركيز عليه، والحديث عنه، وهو جزء من اهتمامي بتسديد الحركة الإسلامية، وترشيد الصحوة الإسلامية، فهذا همي الأول والأكبر، وما أعظمه من هم أدعو الله أن يعينني على القيام بحقه.

 

ومن هنا لم يسعني إلا أن أستجيب للأخ الفاضل، فالموضوع والداعي والمشاركون والمكان كلها تغريني -بل تُلزمني- بتلبية الدعوة.

واستعنتُ الله تعالى، وشرعت في الكتابة فيما طُلِب مني، رغم كثرة الأسفار التي صادفتني في تلك المرحلة، وطالما قطعت عليَّ حبل التفكير المتواصل في البحث.

وكانت الثمرة هذه الصحائف التي أقدمها اليوم، راجيًا أن يكون فيها شعاع، وإن يكن ضئيلًا، على الطريق، فإن لم يكن، فحسبنا إثارة الموضوع للبحث والمناقشة، ففي ذلك تبصرة وذكرى.

وما كتبته هنا هو امتداد وتكملة ومتابعة لما كتبته من قبل عن الحركة الإسلامية خاصة، وعن الصحوة الإسلامية عامة، من كتب ورسائل ومقالات.

 

والفرق بين الحركة والصحوة: أن الحركة تُعبِّر عن جماعة، أو جماعات منظمة ذات أهداف محددة، ومناهج مرسومة، أما الصحوة فهي تيار عام دافق، يشمل الأفراد والجماعات، المنظَّم وغير المنظَّم، فبينهما – كما يقول علماء المنطق - عموم وخصوص مطلق، فكل حركة صحوة، وليست كل صحوة حركة، والصحوة إذن أوسع دائرة من الحركة، وأكثر امتدادًا، وهكذا ينبغي أن تكون.

والصحوة مدد ورافد للحركة، وسند لها، والحركة دليل وموجِّه للصحوة، وكل منهما يؤثر ويتأثر بالآخر ويتفاعل معه.

وأود أن أشير هنا إلى أمر مهم، وهو أني أريد بالحركة!لإسلامية: الحركة بمعناها العام، ولا أقصد حركة معينة، وإن كان أكثر تمثيلي بحركة الأخوان المسلمين؛ لأنها الحركة التي نشأتُ فيها، وعشتُ محنها ومنحها، وخبرت الكثير من أحوالها، قرابة نصف قرن من الزمان.

وقد جعلت عنوان البحث: «أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة». ولم أتقيد بـ«العقود الثلاثة» كما طُلب مني؛ لأني لا أوافق على مثل هذا التحديد الصارم في هذا الزمن السريع التغيُّر.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الدوحة في رمضان سنة 1410هـ (إبريل سنة 1990م)

يوسف القرضاوي