عدت إلى قطر أنا والعسال، بعد أن كان قد مضى من العام الدراسي نحو شهر أو أكثر. وقد عُيّن للمعهد الديني وكيل جديد، كان يريده في غيبتي، وهو الأخ الفاضل الشيخ عليوة مصطفى عليوة، من أفاضل علماء الأزهر بالزقازيق شرقية، وكان من أصفى الناس سريرة، وأعفهم لسانًا، وأحسنهم خلقًا، وكان يقول الشعر في المناسبات، كما كان ذا ظرف ودعابة محمودة.

وفي هذا الوقت نقل معهدنا من مقره المؤقت الذي بقي فيه سنتين، إلى مقر مؤقت جديد، في عمارة بشارع الخليج. وجاء مع الوكيل الجديد: سكرتير جديد نشيط، هو الأخ أحمد المنيب حسين، وهو من أبناء النوبة بمصر، التي يعتز بالانتساب إليها، وإن كانت نشأته وإقامته بالإسكندرية.

ومع الوكيل والسكرتير: أمين مخازن جديد في غاية النشاط، وهو الأخ الأستاذ: حسني أدهم جرار من فلسطين بالضفة الغربية، وهو يحمل الجنسية الأردنية، وكذلك عُيّن للمعهد ضابط متمرس، حسن الصلة بالطلاب، هو الأخ أحمد سعد من مصر؛ وبهذا الجهاز الإداري المتفاهم المتعاون؛ أخذ المعهد يشق طريقه بقوة، ليثبت وجوده على الساحة الثقافية والتربوية. وقد أصبح فيه مرحلتان: مرحلة إعدادية، ومرحلة ثانوية.

وأهم الأحداث التي وقعت في هذه السنة الدراسية:

1- زيارة البحرين وإمارات عمان.

2- زيارة السعودية مع طلبة المعهد في إجازة نصف السنة.

3- تأليف كتب مدرسية حديثة في العلوم الشرعية.

زيارة البحرين وإمارات عمان:

كانت منطقة الخليج شبه مجهولة بالنسبة لنا - نحن المصريين - ولا نكاد نعرف عنها إلا القليل، وكان الخليج في خوارط الجغرافيا قديمًا يسمى: «الخليج الفارسي»، وهو الاسم التاريخي له، والآن بعد ظهور مد القومية العربية؛ يطلق عليه «الخليج العربي» وهو ما أغضب إخواننا في إيران، والحقيقة أن أحد جانبيه عربي، والآخر فارسيّ، حتى اقترح بعضهم أن لا نقول: عربي ولا فارسي، وإنما نسميه: «الخليج الإسلامي».

كنا نسمع أحمد سعيد، المذيع المصري اللامع، ومدير إذاعة «صوت العرب» التي كان لها دويها حين ظهرت، وكان لها تأثيرها وصداها في البلاد العربية عامة، وفي بلاد الخليج الخاصة. كان أحمد سعيد يقول: أخي في عُمَان، أخي في قطر، أخي في البحرين، أخي في ساحل عمان، وعلى ضفاف الخليج، فتتجاوب معه أرجاء هذه البلاد، التي بدأت تسمع ذكر نفسها في المذياع لأول مرة، وكنا نحن نكاد لا نعرف من هذه البلدان غير أسمائها.

واليوم ها أنا ذا أعيش في قلب بلاد الخليج، فالواجب أن أتعرف عليه وعلى أهله، فها هي الفرصة قد أتيحت، فلا ينبغي أن نضيعها. وقد كان علماؤنا من قبل يرحلون إلى أقطار الدنيا، سعيًا على أقدامهم، أو ركوبًا لمطاياهم، ليتعرفوا على العلماء، ويأخذوا عنهم، ويستفيدوا منهم.

واليوم لا يقتضي الأمر أن نمشي على الأرجل، ولا أن نركب ظهور الإبل أو البغال والحمير، وقد قال تعالى ممتنًا علينا بتهيئة وسائل النقل القديمة: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل:8).

وقد خلق الله لنا مما لا نعلم: هذه الراحلة العجيبة التي تجتاز البحار والقفار، وتطير في الهواء فتقرّب البعيد، وتسهّل الصعب «الطائرة»، وهي نعمة جزيلة من الله على عباده؛ فواجب علينا أن نشكر الله عليها باستخدامها فيما خُلقت له من منافع الناس.

زيارة البحرين:

أحسب أن أول بلد زرته من قطر، كان «البحرين»، فهي أقرب البلاد إلى قطر. وبين البلدين قبائل وأسر مشتركة بعضها في البحرين، والأخرى في قطر، وأذكر أني زرتها استجابة لدعوة من «نادي الإصلاح» في البحرين، وهو من أقدم الأندية والمؤسسات الثقافية والاجتماعية في منطقة الخليج، وقد قام على تأسيسه شبان مستنيرون من أهل الغيرة والإخلاص، ممن تعلموا في مصر، وتشربوا دعوة الإخوان، أمثال: صديقنا الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، الذي عرفناه في مصر، وعرفنا دينه وخلقه ووعيه وغيرته، وأخينا الفاضل الشيخ عبد الرحمن الجودر، والمعلم الفاضل الشيخ أحمد المالود، والأديب المؤرخ الأستاذ مبارك الحاضر، والأستاذ قاسم الشيخ، وعدد من الشباب الصاعد، صاروا من بعد نجوم الدعوة والعمل الإصلاحي في البحرين.

وهذا النادي هو الذي تطور بعد ذلك إلى «جمعية الإصلاح» في البحرين، بما أُنشئ لها من مبان وقاعات، تسع أنشطتها المختلفة، وما هيئ لها من أسباب، بمساعدة الدولة، وقد دُعيت إلى حضور افتتاحها مع آخرين من بلاد الخليج، وقد حضره الأمير وولي عهده ورئيس وزارئه، وكان يومًا من الأيام التاريخية.

وكلمة «البحرين» في المصطلح السياسي الحالي، غير كلمة «البحرين» في مصطلح التاريخ الإسلامي، والتراث الإسلامي، فنحن نقرأ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عامله على البحرين: العلاء بن الحضرمي، وأنه صلى الله عليه وسلم جاءه مال من البحرين.. والبحرين في التراث والتاريخ أوسع من البحرين الحالية، فهي تشملها، وتشمل قطر والمنطقة الشرقية من المملكة السعودية، و ... «هجر» أي الإحساء.

أما «البحرين» الحالية، فهي الجزر المعروفة: المحرق، والمنامة، وغيرها، وعاصمتها: المنامة، ويحكمها: «آل خليفة»، وأميرها الحالي: الشيخ عيسى بن سلمان، الذي تولى الإمارة قريبًا، بعد وفاة أبيه، وهو رجل اشتهر بين الناس بحسن الخلق والتواضع والتهذيب، والاقتراب من الشعب، وسيكون لنا حديث عنه في مناسبات تأتي إن شاء الله.

وجدت البحرين من الناحية العمرانية لا تختلف كثيرًا عن قطر، فهي لا تزال تحبو، أو تخطو الخطوات الأولى في طريق التطور العمراني، وكانت أعلى بناية فيها «دار الحكومة» المطلة على البحر، كما في قطر تمامًا، ولكن أهل البحرين أقرب إلى النهضة والتعليم من أهل قطر، فقد بدأ التعليم في البحرين مبكرًا، وقد أطلعوني على أول مدرسة أُنشئت للتعليم الحديث في البحرين، كان مر عليها أكثر من نصف قرن من الزمان.

وكان في البحرين مساحات خضراء واسعة، تسقيها عيون عذبة ثرة، وتنتج من الخضراوات والفواكه ما ينعم به أهل البحرين، ولقد عزمنا بعض الإخوة على الغداء في بعض هذه البساتين، لنتفيأ ظلالها، وننعم بثمارها، وإن كان التطور العمراني، والتزايد السكاني، قد زحف عليها بعد ذلك، فماتت هذه الأرض الخضراء، أو بوَّرها أهلها عمدًا لتدخل في «أرض المباني» بدل «الأرض الزراعية» فيتضاعف ثمنها أضعافًا كثيرة.

لم أزر أمير البحرين هذه المرة، فقد كنت جديدًا على المنطقة، ولم يزل اسمي غير معروف لدى حكامها، ولا أريد أن أقحم نفسي عليهم، وإن كانت صلتي بعد ذلك قد توثقت بالشيخ عيسى بن سلمان أمير البحرين إلى حد كبير، كما يأتي ذلك في حينه.

كان الذين عُنيت بزيارتهم والتعرف عليهم هم: العلماء والقضاة، وفي طليعتهم: سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز المبارك، رئيس قضاة البحرين، ورئيس محكمة التمييز، وهو من آل المبارك المعروفين في «الإحساء». وكان الشيخ عبد الله عالِمًا جليلًا عاقلًا حكيمًا، يملأ العين والقلب، ويعرف للعلم قدره، وللعلماء قدرهم، فرحّب بي غاية الترحيب، وأكرمني غاية الإكرام، وتبادلنا الحديث في مسائل شتى من مسائل العلم، فأنس بي، كما أنست به، وعرف توجهي في الدعوة والفتوى، فأيدني وشد أزري.

وكان مما أسر به إليَّ: أنه وجدني ألبس لباس أهل الخليج من «الغترة» و«البشت»، والحقيقة أني لم أكن أملك «بشتًا»، ولكني استعرته من أخينا الشيخ مصطفى جبر رحمه الله، فسألني الشيخ: لماذا غيَّرت زيك الأزهري المعروف؟ قلت له: وجدت هذا الزي أخف عليَّ في السفر.

قال: الحق أقول لك، إننا لا نحب أن نرى علماء الأزهر بغير زيهم المعتاد، الذي يُعرفون به عند الجماهير.

فقلت له: وهذا ما سأحرص عليه إن شاء الله.

ودعاني الشيخ إلى بيته، ودعا عددًا من العلماء والقضاة، تكريمًا وتقديرًا منه لشخصي، رحمه الله رحمة واسعة.

وقد تعرفت في هذه السفرة على العالِم الفاضل الفقيه الشيخ يوسف الصديق، حفظه الله ورعاه.

بقيت ثلاثة أيام في البحرين، ألقيت فيها مع محاضرة نادي الإصلاح: محاضرات أخرى في بعض المساجد الكبرى، وتجولت مع بعض الإخوة في أسواق البحرين القديمة، واشتريت بعض الأشياء منها مما لا يتوافر في قطر، وعدت بعد ذلك إلى الدوحة، بعد أن أضفت إلى سجل معارفي وأصدقائي: أسماء جديدة، وأصدقاء جددًا، وبعد أن أضفت إلى القليل الذي كنت أعلمه عن البحرين: كثيرًا مما لم أكن أعلمه، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114).

كانت هذه هي الزيارة الأولى للبحرين، وبعد ذلك تتابعت الزيارات وتكررت لأسباب وأهداف شتى، وتوثقت الروابط بيني وبين أهل البحرين الكرام، ولم تزدها الأيام - إلى اليوم - إلا قوة ومتانة، ولا سيما بعد ظهور إذاعة قطر، وتليفزيون قطر، وما كان لله دام واتصل.

زيارة ساحل عمان أو الإمارات المتصالحة:

فكرت كذلك في زيارة ساحل عمان، أو ما كان الإنجليز يسمونه «الإمارات المتصالحة»، وهي تسمية عجيبة! وكأن الأصل في علاقاتها أن تكون متخاصمة أو متقاطعة، وهي الإمارات السبع التي تكوّنت منها بعد ذلك: دولة الإمارات العربية المتحدة: أبو ظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القوين، ورأس الخيمة، والفجيرة.

وكان أبرزها وأشهرها وأقربها إلى النهضة في ذلك الوقت: إمارة دبي، الناشطة تجاريًّا وماليًّا، بقيادة حاكمها وباني نهضتها الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكان أقرب الإمارات إليها جغرافيًّا وعمرانيًّا: إمارة الشارقة التي يحكمها الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، فكان القواسم يحكمون الشارقة ورأس الخيمة.


صورة قديمة لإمارة دبي 

وكان أغنى الإمارات كلها: إمارة أبو ظبي، ذات الدخل الهائل من النفط، وكانت أشبه بقرية صغيرة تعيش في القرون الماضية، وكان حاكمها الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، الذي قالوا: إنه كان يقبض أموال النفط في «جوالات» ويخزنها في صناديق، وينام ويصحو حارسًا لها، ولا يكاد يصرف منها شيئًا. ولم يكن عنده رؤية للإصلاح والنهوض ببلده، ولا رغبة في تطويره، ولا أدري ما قيمة الملايين إذا لم تقم بدورها في إعمار البلاد، ونفع العباد؟!

وكان الشيخ زايد بن سلطان شقيق الشيخ شخبوط حاكمًا لمدينة «العين»، وقد نهض بها إلى حد بعيد، رغم أن المال لم يكن بيديه؛ ولهذا حين فكرتُ في زيارة الإمارات: رأيتُ أن تكون إقامتي بالشارقة، وهي قريبة من دبي الناهضة المتطورة، وكان الذين ذهبوا من قطر قبلي لزيارة الساحل، نزلوا بالشارقة أيضًا، مثل الشيخ عبد المعز عبد الستار، والشيخ محمد المهدي البدري، ولما طلبت من وزارة المعارف زيارة إمارات الساحل، وافقت على سفري، وأعطتني أجرة الطائرة، وقالت لي: إن رئيس بعثة قطر التعليمية، سيهيئ لك الضيافة هناك، وهو يقيم بإمارة الشارقة.

وكانت لقطر بعثة تعليمية محترمة من عدد من المدرسين، يشرف عليهم مرب كفء جاء من قطر، هو الأستاذ عدنان سعد الدين «أبو عامر» الأخ السوري المعروف، وكان مديرًا لإحدى المدارس في قطر، فاختير ليقوم بهذه المهمة، وكانت قطر تدفع رواتب هؤلاء المدرسين وتهيئ لهم مساكنهم ولوازمهم.

وكان لمصر بعثة تعليمية أكبر، من جميع الاختصاصات، يرأسها الأستاذ كامل أبو غالي، الذي يقيم بالشارقة أيضًا، ومصر هي التي تدفع رواتبهم وتذاكر سفرهم وغير ذلك، وكانت الكويت هي التي تتولى مسئولية إدارة التعليم والامتحانات وغير ذلك، وتوفر الأدوات المطلوبة من الكتب والقرطاسية وغيرها.

كان سفري إلى إمارات الساحل في شهر رمضان المبارك، وكانت الإقامة في الشارقة، في ضيافة حاكمها الشيخ صقر بن سلطان، الذي عُرف بنزعته القومية العربية، وتأييده لجمال عبد الناصر، كما عُرف بالأدب والشعر، وقد لقيته في قصره، مع الأستاذ عدنان سعد الدين، وتناولنا أحاديث الشعر والشعراء، القدامى والمحدثين، وأهداني ديوانيه: «الفواغير» و«جنة الحب»، وخصوصًا بعد أن عرف أني أقول الشعر، وقد طلب مني أن أنشده بعض شعري، ففعلت، وكان من شعري الذي قلته في معتقل الطور في عهد الملكية، ولا سيما قصيدة «ليلة القدر»، ولم أحب أن أسمعه شيئًا من «النونية»؛ لما أعرف من ولعه بالناصرية، وليس من الحكمة أن أستثيره وأنا ضيف عنده.

كانت الشارقة في طفولتها العمرانية، وكان لا يزال فيها منازل من جريد النخل، وكذلك معظم الإمارات، ما عدا دبي التي كانت أكثر تقدمًا؛ اعتمادًا على نشاطها التجاري الموروث .

ألقيت عددًا من الدروس والمحاضرات في مساجد الشارقة، وكذلك في مساجد دبي، واحتفلنا بغزوة «بدر» في أحد مساجد دبي، وألقيت فيها محاضرة استُقبلت باستحسان كبير. وكنا ننتقل بين ديره وبرّ دبي بالقوارب، وقد استضافنا بعض وجهاء دبي، بعضهم على الإفطار، وبعضهم على «غبقة» بعد صلاة التراويح، أذكر منهم التاجر الشهير: السيد حمد الفطيم، كما رتّب لي بعض الإخوة زيارة لسمو الشيخ راشد بن سعيد حاكم دبي في قصره بزعْبيل، وقد استقبلني بحفاوة وتكريم، وقال لي: إن الناس مسرورون من محاضراتك ودروسك، ونرجو أن تتوالى زياراتك لدبي، فأنت بين أهلك وإخوانك.

وشكرت له هذه المجاملة الرقيقة، ووعدته بأن لا أنقطع عن الزيارة، وإن كان الواقع أني لم أزر دبي والإمارات إلا بعد عدة سنوات، حين دعاني مدير البلدية الأستاذ كمال حمزة - وهو سوداني - إلى إلقاء محاضرة في البلدية، فاستجبت لدعوته، وألقيت المحاضرة، كما ألقيت بعض الدروس في المساجد.

وفي الزيارة الثامنة على العادة؛ زرت الحاكم الشيخ راشد بن سعيد في قصره، وكان لا يزال في قوته ونضرته، وقد أركبني معه في سيارته وساقها بنفسه، ليريني معالم النهضة في دبي، وكان أبرزها «ميناء دبي» الذي أراد له أن يكون «بيرت الخليج».

كنا - في زيارتي الأولى هذه - ننتقل بين الإمارات بعضها وبعض بسيارة «جيب»، فهي التي تصلح للطرقات التي كان أكثرها غير مرصوف. وأذكر أنا في يوم من أيام رمضان، أردنا أن نزور ثلاث إمارات من الإمارات الشمالية في يوم واحد: عجمان، وأم القوين، ورأس الخيمة.

زرنا عجمان في وقت الضحى، وسلمنا على حاكمها سمو الشيخ راشد بن حميد النعيمي، وكانت لا تزال شبه قرية صغيرة من قرى الريف المصري في الزمن الماضي، وقصر الشيخ الذي يعتبر ديوان الحكم الذي استقبلنا فيه: متواضع جدًّا، وقد ذكرت ذلك لصديقنا سمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، حاكم عجمان الحالي، الذي كرّمنا منذ عدة سنوات في جمعية أم المؤمنين الثقافية، وذكرت الفرق الهائل بين الأمس واليوم.

ثم رحلت من عجمان إلى إمارة أم القوين، وهي في الطريق إلى رأس الخيمة، وكان وقت الظهر قد حان، فصلينا فيها الظهر، وألقيت كلمة في المسجد بعد الصلاة، ولم يكن حاكم الإمارة موجودًا، فلقينا بعض المسئولين بها، وودعناهم في طريقنا إلى رأس الخيمة، وفيها أدينا صلاة العصر في أحد المساجد، وقد اجتمع الناس فألقيت فيهم درسًا مناسبًا، وسلّمنا عليهم مودعين شاكرين، وقد دعانا الناس إلى البقاء معهم حتى الإفطار، ونفطر عندهم، فاعتذرنا بأننا مرتبطون على الإفطار بالشارقة، وفعلًا كنا مدعوين على الإفطار عند الأديب الشاعر التاجر المعروف «سلطان العويس» -صاحب الجائزة الأدبية الثقافية العربية- جائزة سلطان العويس فيما بعد.

فصممنا على الرجوع إلى الشارقة مسرعين، حتى ندرك الإفطار في حينه، ولكن الأقدار فاجأتنا بما لم يكن في حسباننا، فقد طغى «المدّ» حتى غطى الطريق الذي تسلكه سيارتنا «الجيب»، وأصبحنا نسير في الطريق الذي يغمره الماء رويدًا رويدًا، والذي كان مقدرًا لنا أن نسلكه في نحو ساعة ونصف أو ساعتين على الأكثر، استغرق منا نحو أربع ساعات، فلم نصل إلى الشارقة إلا بعد العشاء، وأفطرنا «قضاء» بعد وصولنا بما تيسر، فما أعظم الفرق بين الأمس واليوم في سهولة الوصول وتيسر الأمور.

وقد تعرفت في الإمارات على بعض الشخصيات العلمية والدينية من القضاة المعروفين، مثل: القاضي الشيخ عبد الله سلمان، والد الأخ الدكتور سعيد عبد الله سلمان، رئيس جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، ووزير التربية والتعليم سابقًا في دولة الإمارات، وكان طالبًا عندي بالمعهد، وقد أوصاني به خيرًا. قلت: بارك الله فيه، هو يشق طريقه بقوة، وكذلك القاضي الشيخ عبد الله بن الشيبة، وغيرهما من أهل العلم ممن لا يحضرني الآن.

بعد هذه الأيام الحافلة في الشارقة ودبي وما حولهما؛ عدت إلى قطر، فإن برنامجي في رمضان حافل، ولا أستطيع أن أتغيب عنه كثيرًا.

ولم أعد إلى الشارقة إلا بعد عدة سنوات، وذلك في عهد حاكمها الرجل الصالح الشيخ خالد بن محمد القاسمي رحمه الله، وقد بدأ يتغير وجهها، وتمضي في طريق تطورها بخطًا ثابتة، وسنذكر ذلك في حينه.