السؤال: يقول الله سبحانه وتعالى في سورة مريم: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (مريم: 28) مَن المقصود بهارون في الآية الكريمة؟ أهو هارون أخو موسى؟ وكيف كانت أخته وبينهما مئات السنين؟ أم هو هارون آخر؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، وبعد:

إن المقصود بهارون في الآية الكريمة إما هارون أخو موسى، والأخوة المذكورة ليست أخوة حقيقية؛ لأن بين هارون ومريم مئات السنين بالفعل، وإنما هي أخوة مجازية، فمعنى أنها أخت هارون أنها من نسله وذريته، كما يُقال للتميمي: يا أخا تميم. وللقرشي: يا أخا قريش. فمعنى قولهم: يا أخت هارون، أي يا مَن أنت مِن ذرية ذلك النبي الصالح، كيف فعلت هذه الفعلة؟ وحتى لو لم تكن مِن نسله وذريته فإنها تنتسب إليه بخدمتها للهيكل وانقطاعها للعبادة فيه.

فقد كانت خدمة الهيكل موقوفة على ذرية هارون. فمعنى: يا أخت هارون! يا من تنتسبين إلى هذا النبي الصالح بالخدمة والعبادة والانقطاع للهيكل. ويجوز أن يكون المراد بهارون في الآية رجلًا صالحًا مِن قومها في ذلك الحين، كانت تتأسى به مريم وتتشبه به في الزهد والطاعة والعبادة، فنُسبت إليه، فقالوا لها: يا من تتشبهين وتقتدين بذلك الرجل الصالح، ما كان أبوك بالفاجر، ولا أمك بالبغي، فمن أين لك هذا الولد؟

وقد روى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران -وكانوا نصارى- فقالوا: أرأيت ما تقرؤون: يا أخت هارون؟ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ يعترضون على المغيرة.

قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يُسمّون بالأنبياء والصالحين قبلهم؟"؛ وهذا التفسير النبوي يُبيِّن أن هارون المذكور في الآية ليس من اللازم أن يكون هارون المذكور هو أخا موسى كما فهم أهل نجران، وإنما هو هارون معاصر لمريم، فقد كان قومها يُسمّون بأسماء الأنبياء والصالحين منهم.

والله تعالى أعلم