سألني بعض إخواننا الدعاة في ألمانيا، عن حكم ضم الأسر المسلمة للأطفال اللاجئين السوريين، من البنين والبنات، من الذين بلغوا الحلم أو يكادون، والذين قذفت بهم البحار إلى شواطئ أوربا. وذكر أن بعض الأسر المسلمة تجد بعض الحرج في هذا، ويرون أن هؤلاء الأطفال سيعيشون في البيت كأفراد الأسرة، وربما خلا أحدهم أو إحداهن بغير المحارم.. إلى غير ذلك من الأمور التي يخشى فيها البعض من الحرمة، فهل من ضوابط شرعية لهذه المسألة النازلة؟

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد:

فمما يعجب له الإنسان، ومما يروعه في قضية إخوننا وأبنائنا السوريين، الذين شرَّدهم الظلم والطغيان، وألقى بهم في أنحاء العالم لاجئين مشردين، وقد كانت لهم ديار وبيوت وحدائق وعجائب، دمرها دعاة الخراب، وأصبح إخواننا ضيوفا مضطرين على البلاد الأوربية الغربية المسيحية، فاللاجئ المضطر يذهب حيث يجد مكانا يؤويه، ليس له الحق أن يختار، وكأن الجامعة العربية، والرابطة الإسلامية قد فُقِدتا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يجب أن نعلم أنَّ الإسلام قد حرص على حفظ الدين والنفس والنسل، والعقل والمال، وسمَّى العلماء هذه الأمور الخمسة بمقاصد الشارع أو مقاصد الشريعة، أو الكليات أو الأصول الشرعية الخمس. ومنهم من زاد "العِرْض" كضرورة سادسة. والمراد من هذه الأمور: تحقيق المصالح الأساسية، ونفي الضرر والضرار، ورفعهِما وقطعهِما.

كما يحرص الإسلام على بناء الأسر، وبناء المجتمعات، وعلى حفظ الأمة. فحفظُ الدين من الكليَّات الضرورية المطلوب حفظها، وكذلك حفظ النفس. ومن المعلوم أن اللاجئ إذا لم يجد بدًّا من الهجرة من بلده، لينجو من موت شبه محقق، حيث تطارده البراميل المتفجرة، والصواريخ المدمرة، والقذائف المهلكة، فلا لوم عليه في ذلك؛ لأنه يدفع بذلك عن نفسه وذويه خطرًا محدِقًا، فلا معنى لمنعه من الهجرة، على أن يتلمس الطرق الأكثر أمنًا، والمسالك الأقل وعورة، وإلا وقع فيما فر منه، من هلاك للنفس والنسل.

وكان الأولى أن يهاجر هؤلاء إلى إخوانهم العرب والمسلمين، وأن يقوم المسلمون نحوهم بواجب الأخوَّة والإيواء والنصرة، وهو ما يفرضه الإسلام على أمته، كما قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (الحجرات:10)، وكما في الحديث الصحيح : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومعنى (لا يسلمه) أي: يتخلى عنه.

وهذا ما نطالب به الدول العربية والإسلامية، أن تفتح المجال لإخوانهم في الدين، وأبنائهم وبناتهم، ليعيشوا معهم، حسب الاستطاعه. وأن تتيح العمل لمن هو قادر على العمل منهم، وأن تستضيف عددا ممن هو غير قادر على العمل، أو غير واجد له، أو تكفلهم في دول الجوار، وفي الداخل السوري، فإذا لم يقم هؤلاء بواجبهم، ولجأ السوريون لبلاد غير المسلمين، كما نرى الكثيرين اليوم في أوربة، فعلى الجالية المسلمة هناك أن تقوم بواجب أخوة الدين، وأن يضموا أبناء المسلمين وبناتهم إلى أبنائهم وبناتهم، ويحفظوهم كما يحفظون ذريتهم، ليحفظوا عليهم دينهم وحياتهم وأعراضهم.

ولا ينبغي أن تحول خشية المفسدة المحتملة دون ضم المسلمين في هذه البلاد لإخوانهم من اللاجئين السوريين، فإن في تركهم هلاكًا لهم، أو تضييعًا لدينهم وأعراضهم. ولا ينبغي أن تكون إنسانية غير المسلمين أقوى من رابطة الأخوة في الدين، قال تعالى: {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:71).

ولا أدري كيف يكون شعور المسلم الذي تخلَّى عن أبناء الإسلام بحجج متعددة، وذرائع شتى، وهو يرى غير المسلمين وقد رقَّت قلوبهم لهم، وعملوا بكل ما يستطيعون على إيوائهم وكفايتهم. ولا بد لنا أن نشكرهم على هذه الهمة.

لا ينبغي التفريط في هؤلاء، وعلى المسلمين أن يفكروا بعد ضمهم إليهم في الوسائل المثلى لتجنب ما يخشون منه. وقد قُدِّر عدد اللاجئين من القاصرين بعشرين ألفًا أو يزيد، وهو ما يمكِّن الأسر المسلمة من تخير المكفول الذي يتماشى مع ظروفها، من حيث النوع والسن.

وندعو الله تعالى ألا يطيل أمد هذا الابتلاء، وأن يخلِّص الله سوريا وأهلها وشعبها من هذا الطاغية وأعوانه، وأن يعود هؤلاء اللاجئون إلى ديارهم ووطنهم قريبًا.

كما أن على المراكز والجمعيات والمدارس الإسلامية العاملة في البلاد الأوربية دورا مهمًّا لرعاية من لا تستطيع الأسر المسلمة رعايته، وعليهم أن يسعوا لإنشاء دور للرعاية الاجتماعية، ورعاية القاصرين والأيتام، لا سيما المراكز والجمعيات الكبيرة، ذات المرافق المتعددة، والتي يسهل عليها تدبير سكن ولو مؤقتًا.

كما أن على هذه المراكز مخاطبة الجهات المسؤولة بالدولة، للإشراف الديني على الأطفال الذين كفلتهم أسر ألمانية ورعايتهم وزيارتهم، حتى لا تتخذ الكفالة وسيلة لتغيير الدين والمعتقد.

وفي مثل هذه الحال تؤيد القواعد الشرعية الفقهية المعروفة والمتداولة بين الفقهاء، ما قررناه في فتوانا هذه، مثل: "المشقَّة تجلب التيسير"، "إذا ضاق الأمر اتَّسع"، "الضرورات تبيح المحظورات"، "الضرورة تُقدَّر بقدرها"، "الحاجة تُنَزَّل منزلة الضرورة"، وحاجة الإخوة السوريين، لا تخفى على أحد له عين ترى، أو أذن تسمع، أو عقل يعي، أو قلب يشعر.

نسأل الله لإخواننا وأبنائنا وبناتنا السوريين الحماية والرعاية، ونسأل للأمة أن يعينها على القيام بواجباتها، والحفاظ على دينها وهويتها.. آمين.

يوسف القرضاوي

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين