السؤال: هل يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته الألمانية المسلمة من زيارة والديها النصرانيين منعا مطلقا، أو يسمح لها بزيارتهما نادرا، وهل يحبذ الإسلام لمن دخل فيه أن يجفوا أهله ويقطع رحمه؟

جواب فضيلة الشيخ:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته المسلمة من زيارة والديها النصرانيين؛ لأنها بمقتضى إسلامها مأمورة ببرهما ومصاحبتهما بالمعروف، بل هذا أمر جعله الإسلام بعد توحيد الله تبارك وتعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23)؛ وذلك أن أعظم حقوق العباد بعد حق الله سبحانه وتعالى هو حق الوالدين.

حتى الوالدان المشركان لم يمنع الإسلام من برهما مع شركهما، بل لم يمنع من ذلك وإن جاهدا ولدهما على الخروج من الإسلام، والدخول في الشرك، وحاولا ذلك محاولة جاهدة عبر عنها القرآن بالجهاد كما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (لقمان:14-15)، فأمر الله تعالى بعصيانهما في الدعوة إلى الشرك كما امر بمصاحبتهما بالمعروف.

وقد جاءت أسماء بنت أبي بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية، تستفتيه وتقول له: يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي مشركة، أفأصلها؟ (أي أحسن إليها وأعطيها بعض المال) قال:"نعم، صلي أمك". قالوا: وفي مثل هذا نزل قوله تعالى في سورة الممتحنة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة:8).

والإسلام قد فرض الوصية للوالدين غير المسلمين كما هو ظاهر قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة:180)، ومن المعروف أن الوالدين المسلمين لا يجوز لهما الوصية، لأنهما وارثان، ولا وصية لوارث.

وإنما المقصود هنا الوالدان غير المسلمين والأقربون غير المسلمين، فإن عدم إسلامهما لم يلغ مالهما من حقوق الوالدية، وكذلك عدم إسلام الأقربين لم يلغ مالهم من حقوق الرحم، وقد قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} (النساء:1)، والإسلام اعتبر المصاهرة إحدى رابطتين طبيعيتين تربط بين البشر، والرابطة الأخرى هي النسب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (الفرقان:54).

فلا يجوز إنكار هذه الرابطة الفطرية ولا إهمالها، وينبغي للزوج أن يحسن علاقته بأحمائه، وأقارب زوجته وخصوصا أبويها، وأن يتودد لهم، ويحسن إليهم، حتى يحببهم إلى الإسلام. وإنما انتشر الإسلام في العالم بحسن أخلاق المسلمين، وحسن تعاملهم ومعاشرتهم للآخرين.

ولا يجوز للمسلم أن يمنع زوجته من بر والديها، ينبغي أن يحرضها على ذلك، ويذهب معها إلى زيارتهما، ويدعوهما إلى زيارته في بيته، فهذا مقتضى المصاهرة التي شرعها الله تعالى، فهؤلاء أجداد أطفاله وجداتهم، وإخوانها أخوالهم، وأخواتها خالاتهم، ولهم جميعا حقوق ذوي الأرحام وأولي القربى.

وقد حكى لي بعض الإخوة الفضلاء الذين يعيشون في أوربا أن أصهارهم دخلوا في الإسلام بسبب حسن معاشرتهم لهم ولزوجاتهم، وحدثني آخرون أن أصهارهم على وشك الدخول في الإسلام، ولكنهم ـ وإن لم يدخلوا ـ أصبحوا ألسنة صدق في الثناء على الإسلام وأخلاق المسلمين.

وعرفت من بعض الإخوة أنه كان هناك رجلٌ سيء العشرة، شديد القسوة على امرأته، حتى إنه كان يسبها ويضربها بعنف، حتى إن أولاده منها كرهوه غاية الكره، حتى قال بعضهم لأمه: لأن كبرتُ لأقتلنَ أبي هذا، لأنه يهينك ويؤذيك بغير حق، ولأنتقمنّ منه، ثم فارقت هذا الرجل الظالم بعد أن دفعت له ما دفعت، وعوضها الله برجل مسلم حقيقي، عاملها أكرم معامله، واعتبر أولادها كأولاده، وأظهر من الحب والود ما جعل الأولاد يتعلقون به، ويحبون الإسلام من خلاله، وكذلك أهلها.

وعرفت وأنا في اليابان منذ أشهر، أن رجلا من هؤلاء المسلمين الأجلاف الغلاظ منع زوجته من زيارة أبيها، وكان مريضا، ثم اشتد عليه المرض، فكررت الطلب، وكرر الرفض، ولما يئست من ذلك الزوج أعلنت ردتها عن الإسلام، والعياذ بالله!

إن حسن المعاملة يحبب الإسلام إلى الناس ويدخلهم فيه أفواجا، وإن سوء المعاملة ينفر الناس من الإسلام ويخرجهم منه بعد دخولهم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله.