د. يوسف القرضاوي

ما معنى (لا سياسة في الدِّين): إن كان معناها: أن الدِّين لا يعنى بسياسة الناس ألبتَّة، ولا يشغل نفسه بمشكلات حياتهم العامة، وتدبير أمورهم المعيشية، وعلاقة بعضهم ببعض، فهذا ليس بصحيح. فكل الأديان لها توجيهات في هذا الجانب، تَقْصر في دين، وتَطُول في آخر. والإسلام هو أطول الأديان باعا في هذا المجال، وله في ذلك نصوص كثيرة من القرآن والسنة، وله تراث حافل من فقه الشريعة، وشروح مذاهبها، واختلاف مشاربها.

ولقد ذكر الشيخ علي عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم): أن الدنيا أهون عند الله من أن ينزل في تدبير شؤونها نصوصا من وحيه[1]!!

ونسي الشيخ أو تناسى أن الله أنزل أطول آية في كتابه (القرآن) في شأن من شؤون الدنيا، وهو كتابة الدَّين وتوثيقه. وذلك في الآية (282) من سورة البقرة، المعروفة بآية المداينة. وأن (آيات الأحكام) التي عني بها المفسرون والفقهاء تعد بالمئات.

وكل أصحاب الأديان كان لهم مشاركات في توجيه الحياة السياسية، حتى الكنيسة المسيحية التي قرأت قول الإنجيل: (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، لم تأخذه بحرفيته، وحاولت أن تتدخل في شأن قيصر وأن توجهه، وربما نزعت السلطة منه.

ضلالة فصل الدِّين عن السياسة:

وقد اختار شيخنا العلامة محمد الخضر حسين - شيخ الأزهر في زمانه - أن يعبر عن فصل الدِّين عن السياسة -الذي دعا إليه أحد الكُتَّاب- بعبارة (ضلالة) وهو تعبير شرعي صحيح، لأنه أمر مُحْدث ومبتدع في الأمة، وكل بدعة ضلالة، كما في الحديث الصحيح[2].

وقد كتب في ذلك مقالة طويلة نشرها في مجلة (نور الإسلام)[3]، ثم وضعها في كتابه (رسائل الإصلاح).

ومما قاله الشيخ في هذه المقالة العلمية الرصينة:

(نعرف أن الذين يدعون إلى فصل الدِّين عن السياسة فريقان:

فريق يعترفون بأن للدين أحكاما وأصولا تتصل بالقضاء والسياسة، ولكنهم يُنْكرون أن تكون هذه الأحكام والأصول كافلة بالمصالح، آخذة بالسياسة إلى أحسن العواقب. ولم يبال هؤلاء أن يجهروا بالطعن في أحكام الدِّين وأصوله، وقبلوا أن يسميهم المسلمون ملاحدة؛ لأنهم مُقِرُّون بأنهم لا يؤمنون بالقرآن، ولا بمن نزل عليه القرآن.

ورأى فريق أن الاعتراف بأن في الدِّين أصولا قضائية وأخرى سياسية، ثم الطعن في صلاحها، إيذان بالانفصال عن الدِّين، وإذا دعا المنفصل عن الدِّين إلى فصل الدِّين عن السياسة، كان قصده مفضوحا، وسعيه خائبا، فاخترع هؤلاء طريقا حسبوه أقرب إلى نجاحهم، وهو أن يَدَّعوا أن الإسلام توحيد وعبادات، ويجحدوا أن يكون في حقائقه ما له مدخل في القضاء والسياسة، وجمعوا على هذا ما استطاعوا من الشُّبه، لعلهم يجدون في الناس جهالة أو غباوة فيتم لهم ما بيّتوا.

هذان مسلكان لمن ينادي بفصل الدِّين عن السياسة، وكلاهما يبغي من أصحاب السلطان: أن يضعوا للأمة الإسلامية قوانين تناقض شريعتها، ويسلكوا بها مذاهب لا توافق ما ارتضاه الله في إصلاحها. وكلا المسلكين وليد الافتتان بسياسة الشهوات، وقصور النظر عما لشريعة الإسلام من حِكَم بالغات.

أما أنَّ الإسلام قد جاء بأحكام وأصول قضائية، ووضع في فم السياسة لجاما من الحكمة، فإنما ينكره من تجاهل القرآن والسنة، ولم يحفل بسيرة الخلفاء الراشدين، إذ كانوا يزنون الحوادث بقسطاس الشريعة، ويرجعون عند الاختلاف إلى كتاب الله أو سنة رسوله.

وبين الشيخ أن في القرآن شواهد كثيرة على أن دعوته تدخل في المعاملات المدنية، وتتولى إرشاد السلطة السياسية، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]، وكل حكم يخالف شرع الله، فهو من فصيلة أحكام الجاهلية، وفي قوله تعالى: { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، إيماء إلى أن غير الموقنين قد ينازعون في حُسْن أحكام رب البرية، وتهوى أنفسهم تبدُّلها بمثل أحكام الجاهلية، ذلك لأنهم في غطاء من تقليد قوم كبروا في أعينهم، ولم يستطيعوا أن يميزوا سيئاتهم من حسناتهم، وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49]، ففرض في هذه الآية أن يكون فصل القضايا على مقتضى كتاب الله، ونبه على أن مَن لم يدخل الإيمان في قلوبهم يبتغون من الحاكم أن يخلق أحكامه من طينة ما يوافق أهواءهم، وأردف هذا بتحذير الحاكم من أن يفتنه أسرى الشهوات عن بعض ما أنزل الله، وفتنتهم له في أن يسمع لقولهم، ويضع مكان حكم الله حكما يلائم بغيتهم، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]، وفي آية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]، وفي آية ثالثة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].

وفي القرآن أحكام كثيرة ليست من التوحيد ولا من العبادات، كأحكام البيع والربا والرهن والإشهاد، وأحكام النكاح والطلاق واللعان والولاء والظهار والحجر على الأيتام والوصايا والمواريث، وأحكام القصاص والدية وقطع يد السارق وجلد الزاني وقاذف المحصنات، وجزاء الساعي في الأرض فسادا).

وذكر الشيخ آيات تتعلَّق بالحرب والسلم والمعاهدات والعلاقات الدولية.

ثم قال: (وفي السنة الصحيحة أحكام مفصلة في أبواب من المعاملات والجنايات إلى نحو هذا، مما يدلك على أن مَن يدعو إلى فصل الدِّين عن السياسة إنما تصور دينا آخر غير الإسلام.

وفي سيرة أصحاب رسول الله - وهم أعلم الناس بمقاصد الشريعة - ما يدل دلالة قاطعة على أن للدين سلطانا في السياسة، فإنهم كانوا يأخذون على الخليفة عند مبايعته شرط العمل بكتاب الله وسنة رسول الله.

ولولا علمهم بأن السياسة لا تنفصل عن الدِّين لبايعوه على أن يسوسهم بما يراه أو يراه مجلس شوراه مصلحة، وفي صحيح البخاري: "كانت الأئمة بعد النبي r يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي r"[4].

ومن شواهد هذا: محاورة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب في قتال مانعي الزكاة، فإنها كانت تدور على التفقه في حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"[5]. فعمر بن الخطاب يستدل على عدم قتالهم بقوله في الحديث: "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم". وأبو بكر يحتج بقوله في الحديث: "إلا بحقها" ويقول: الزكاة من حق الأموال. ولو لم يكونوا على يقين أن السياسة لا يسوغ لها أن تخطو خطوة إلا أن يأذن لها الدِّين بأن تخطوها، ما أورد عمر ابن الخطاب هذا الحديث، أو لوجد أبو بكر عندما احتج عمر بالحديث فسحة في أن يقول له: ذلك حديث رسول الله، وقتال مانعي الزكاة من شؤون السياسة!

ومن شواهد أن ربط السياسة بالدِّين أمر عرفه خاصة الصحابة وعامتهم: قصة عمر بن الخطاب، إذ بدا له أن يضع لمهور النساء حدا، فتَلَت عليه امرأة قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء:20]، فما زاد على أن قال: رجل أخطأ، وامرأة أصابت[6]. ونبذ رأيه وراء ظهره، ولم يقل لها: ذلك دين وهذه سياسة!

وكتب السنة والآثار مملوءة بأمثال هذه الشواهد، ولم يوجد -حتى في الأمراء المعروفين بالفجور- من حاول أن يمس اتصال السياسة بالدِّين من الوِجهة العملية، وإن جروا في كثير من تصرفاتهم على غير ما أذن الله به، جهالة منهم أو طغيانا.

أراد الحجاج أن يأخذ رجلا بجريمة بعض أقاربه، فذكَّره الرجل بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، فتركه[7]، ولم يخطر على باله -وهو ذلك الطاغية- أن يقول له: ما تلوته دين، وما سأفعله سياسة!).

ثم قال الشيخ رحمه الله:

(فصل الدِّين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدِّين، ولا يقدم عليه المسلمون إلا بعد أن يكونوا غير مسلمين، وليست هذه الجناية بأقل مما يعتدي به الأجنبي على الدِّين إذا جاس خلال الديار، وقد رأينا الذين فصلوا الدِّين عن السياسة علنا كيف صاروا أشد الناس عداوة لهداية القرآن، ورأينا كيف كان بعض المبتلين بالاستعمار الأجنبي أقرب إلى الحرية في الدِّين ممَّن أصيبوا بسلطانهم، ونحن على ثقة من أن الفئة التي ترتاح لمثل مقال الكاتب لو ملكت قوة لألغت محاكم يقضى فيها بأصول الإسلام، وقلبت معاهد تدرس فيها علوم شريعته الغراء إلى معاهد لهو ومجون، بل لم يجدوا في أنفسهم ما يتباطأ بهم عن التصرف في مساجد يذكر فيها اسم الله تصرف من لا يرجو لله وقارا)[8].

الدِّين ليس دائما مقصورا على الروحانية

وإذا نظرنا نظرة أخرى في مقولة: (لا سياسة في الدِّين ولا دين في السياسة) نرى أنها لا تصدق على كل دين. ومن التبسيط المخل - وربما من الكذب المكشوف - اعتبار الأديان كلها بعيدة عن السياسة، والسياسات كلها بعيدة عن الدِّين.

فليست الأديان كلها مقصورة على الجانب الروحاني أو اللاهوتي، ولا صلة لها بشؤون الحياة، فهذا يصدق في بعض الأديان ولا يصدق في البعض الآخر.

فمن الأديان ما يتصل بالحياة ويشرِّع لها، كما في ديانة موسى عليه السلام (اليهودية)، كما يبدو ذلك من الأحكام التي جاءت في التوراة، التي تسمى (الناموس). وهو ما أعلن المسيح عليه السلام أنه ما جاء لينقض الناموس، فقال: (ما جئت لأنقض الناموس، بل لأتمم)[9].

ففي التوراة تشريعات مختلفة، بعضها يتعلَّق بالأسرة، وبعضها يتعلَّق بالمجتمع، وبعضها يتعلَّق بالعقوبات: (السن بالسن، والعين بالعين، ...)[10]، وبعضها يتعلَّق بالعلاقات الدولية.

ودين الإسلام جاء بوصايا أخلاقية، وتشريعات قانونية تتعلَّق بأمر الدنيا والحياة، مبثوثة في آيات القرآن، وأحاديث الرسول، وعُني بتفسيرها وشرحها علماء الأمة فيما عرف بـ(آيات الأحكام) و(أحاديث الأحكام). وفصَّلها فقهاء المذاهب في كتبهم، التي شملت أمور الإنسان فردا وأسرة ومجتمعا ودولة، من أدب الاستنجاء، وأدب المائدة، إلى بناء الدولة، وعلاقاتها مع الأمم والدول الأخرى.

فكيف يقال هنا: لا سياسة في الدِّين!

إن أحد أركان الإسلام هو الزكاة، وهو ركن مالي اجتماعي سياسي، لأن الأصل فيها أنها تنظيم تشرف عليه الدولة، تأخذها من الأغنياء وتردها على الفقراء، فالدولة أو السلطة هي التي تجمعها، وهي التي تصرفها في مصارفها الشرعية بواسطة جهاز إداري ومالي، سماه القرآن (العاملين عليها).

ومن مصارف الزكاة (المؤلفة قلوبهم) وهو مصرف سياسي في أصله، يتصرف فيه الإمام (أي الدولة) ليشتري ولاء بعض القبائل والقوى الاجتماعية أو السياسية، أو يحبب إليهم الإسلام، أو يكف شرهم عن المسلمين، أو ليقطع الطريق على أعداء الإسلام أن يستميلوهم إليهم. كل ذلك عن طريق ما يعطى لهم لاستمالة قلوبهم. وهذا في معظمه غرض سياسي محض.

ثم إن المسلم يستطيع أن يدخل في السياسة، وهو في قلب صلاته التي يتعبد لربه بها، بأن يقرأ آيات في صميم السياسة من القرآن، أو يدعو على المستعمرين والحكام الطغاة بدعاء القنوت، وهو ما يعرف عند الفقهاء بـ(قنوت النوازل). ويعنون بالنوازل: المحن والشدائد التي تنزل بالأمة، مثل: احتلال الغزاة لأرضها، ووقوع الكوارث والزلازل ونحوها.

وأذكر أن الإمام الشهيد حسن البنا في سنة 1946 أو 1947م، كتب في حديثه الأسبوعي في صحيفة جماعته اليومية (الإخوان المسلمون): حديث الجمعة عن (قنوت النوازل)، وطلب من الأئمة والخطباء، أن يقنتوا بهذا القنوت، ويدعوا على الانجليز المستعمرين، ووضع لهم صيغة لم يلزمهم بالدعاء بها، ولكن قال: بمثل هذه الصيغة فادعوا على أعدائكم.

وأذكر من هذه الصيغة:

اللهم رب العالمين، وأمان الخائفين، ومذل المتكبرين، وقاصم الجبارين، تقبَّل دعاءنا، وأجب نداءنا ...

اللهم إنك تعلم أن هؤلاء الغاصبين من البريطانيين، قد احتلوا أرضنا، وغصبوا حقنا، وطغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد. اللهم فردَّ عنا كيدهم، وفلَّ حدَّهم ... وأدل دولتهم، واذهب عن أرضك سلطانهم، ولا تدع لهم سبيلا على أحد من عباد المؤمنين. آمين[11].

وقد التزم الكثيرون من المتدينين بأن يدعوا على الانجليز المحتلين المستكبرين في صلواتهم، وخصوصا الجهرية منها، بهذا الدعاء وأمثاله. وكان ذلك لونا من التعبئة الفكرية والشعورية والعملية ضد الاحتلال المدل بقوته العسكرية، وقوته الاقتصادية.

والسياسة ليست دائما علمانية

وإذا ثبت لنا أن الدِّين ليس دائما روحانيا خالصا، نستطيع هنا أن نقول بكل وضوح: إن السياسة ليست دائما علمانية، أو لا دينية.

فكم رأينا من سياسات تتبنى الدِّين وتدافع عنه، وتتحمل أعباء الدعوة إليه، وتذود عن حماه. ثبت ذلك في التاريخ القديم، وثبت ذلك في العصر الحديث.

عرف التاريخ القديم المَلِك قسطنطين إمبراطور روما المعروف الذي كان وثنيا، ثم اعتنق النصرانية، وانتصر لمذهب المؤلهين للمسيح ضد آريوس ومن وافقه في التمسك بعقيدة التوحيد.

المهم أنه تبنى العقيدة المسيحية على مذهبه، وطارد أعداءها وأعداءه عقودا من السنين. وظلت الكنيسة في الغرب توجه الدِّين لعدة قرون، حتى قامت الثورة الفرنسية ثائرة على الكنيسة ورجالها الذين وقفوا مع الجمود ضد التحرُّر، ومع الخرافات ضد العلم، ومع الملوك ضد الشعوب، ومع الإقطاعيين ضد الفلاحين. لهذا ثارت عليهم الجماهير الغاضبة، منادية: اشنقوا آخر مَلِك بأمعاء آخر قسيس!

وفي التاريخ الإسلامي - وخصوصا عهد الراشدين- كانت السياسة في خدمة الدِّين، وكان الدِّين هو الموجه الأول للفكر، والمحرك الأول للمشاعر، والمؤثر الأول في السلوك.

بل كان هذا هو الاتجاه العام في التاريخ الإسلامي كله، على تفاوت في الدرجة، ولكن لم يغب الدِّين -أو الإسلام- عن الساحة، ولم يدع السياسة وشأنها تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد. بل كان الإسلام هو أساس القضاء في المحاكم، وأساس الفتوى لجماهير الشعب، وأساس التعليم في المدارس والكتاتيب والجامعات. كما دلَّلنا على ذلك في كتابنا (تاريخنا المفترى عليه)[12].

وفي عصرنا لا زالت هناك سياسات تتبنى الدِّين، وتجمع الجماهير عليه، وتعلن انتصارها له، وحماسها في تبليغ رسالته.

وقد ذكرنا من قريب: كيف قامت سياسة دولة بني صهيون على توظيف الدِّين في إقامة الدولة، ثم في حراستها وتثبيتها، واستغلال الجانب الدِّيني عند المسيحين لتأييدها ونصرتها.

كما ذكرنا الرئيس الأمريكي بوش الابن، وتبنيه لليمين المسيحي المتطرف المتصهين في توجيه سياسة أمريكا اليوم.

وقد كان هذا الالتزام! الديني الواضح من بوش من الأسباب الرئيسة لفوزه في انتخابات الرئاسة على خَصمه (كيري) الذي كان يتبنى خطًا مخالفا لتعاليم الدين المسيحي.

وهذا ينقض المقولات التي تزعم أن كل السياسات علمانية، ولا مدخل للدين في أي منها.

.......

[1] انظر: الإسلام وأصول الحكم صـ154.

[2] إشارة إلى حديث جابر:"كان رسول الله إذا خطب احمرّت عيناه" وفيه:"وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة" رواه مسلم في الجمعة (867)، وأحمد في المسند (14334) والنسائي في صلاة العيدين (1578) وابن ماجة في المقدمة (45).

[3] التي كان يرأس تحريرها، وكانت هي مجلة علماء الأزهر، وقد بدل اسمها بعد ذلك، وسميت (مجلة الأزهر).

[4] هو من كلام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38].

[5] رواه البخاري في الزكاة (1400)، عن أبي هريرة، ومسلم في الإيمان (21)، وأبو داود في الزكاة (1556)، والترمذي في الإيمان (2606)، والنسائي في الزكاة (2443)، وابن ماجه في الفتن (3927).

[6] رويت القصة مع اختلاف في تعليق عمر على قول المرأة، رواها عبد الرزاق في المصنف كتاب النكاح (6/180) وفيها: فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته، وسعيد بن منصور في السنن (1/166)، والبيهقي في الكبرى كتاب الصداق (7/233) وفيهما: فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر. مرتين أو ثلاثا. وذكرها القرطبي في تفسير قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء:20]، (5/95).

[7] انظر: تاريخ دمشق (12/145)، والبداية والنهاية (9/124).

[8] انظر: مقالة (ضلالة فصل الدِّين عن السياسة) من (رسائل الإصلاح) صـ159 – 173 طبعة المطبعة التعاونية بدمشق.

[9] إنجيل متى: (5/17).

[10] سفر اللاويين: (14/14).

[11] انظر: جريدة (الإخوان المسلمين) اليومية العدد 135 الصفحة الأولى. نقلا عن (أحاديث الجمعة) صـ83 – 85 لعصام تليمة.

[12] نشرته دار الشروق بالقاهرة، انظر: فصل: (الشريعة كانت أساس المجتمع الإسلامي طوال 13 قرناً) ص 25 - 32.