د. يوسف القرضاوي

إن كل مصيبة لا شك أن هناك أكبر منها، وقديمًا قال الناس: «بعض الشر أهون من بعض»، و«بلاء أخف من بلاء»، و«مَن نظر لبلوى غيره هانت عليه بلواه»..

والمؤمن ينظر بعين بصيرته فيحمد الله على أمرين: أولهما: دفع ما كان يمكن أن يحدث من بلاء أكبر، وثانيهما: بقاء ما كان يمكن أن يزول من نعمة غامرة وفضل جزيل. فهو ينظر إلى النعمة الموجودة قبل أن ينظر إلى النعمة المفقودة، وينظر إلى البلاء المتوقع بجانب نظره إلى البلاء الواقع. وهذا بلا شك يحدث كثيرًا من الارتياح والرضا، فالبلاء المتوقع كثير وقد دُفع عنه، والنعم الموجودة كثيرة وقد بقيت له.

وهذا عروة بن الزبير أحد فقهاء التابعين في الإسلام مَثَل صالح للمؤمن الصابر الراضي، المقدر لنعم الله، فقد رووا أن رجله وقعت فيها الأكلة فقرر الأطباء قطعها حتى لا تسري إلى ساقه كلها ثم إلى فخذه، وربما ترقت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، فعرضوا عليه أن يشرب شيئًا يغيب عقله حتى لا يحس بالألم ويتمكنوا من قطعها فقال: ما ظننت أن أحدًا يؤمن بالله يشرب شيئًا يغيب عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن هلموا فاقطعوها، فقطعوها من ركبته وهو صامت لا يتكلم، ولا يعرف أنه أنّ (اشتكى)!!

وشاء القدر أن يُبتلى الرجل على قدر إيمانه، ففي هذه الليلة التي قطعت فيها رجله سقط ابن له -كان أحب أولاده إليه- من سطح فمات، فدخلوا عليه فعزوه فيه، فقال: اللهم لك الحمد، كانوا سبعة فأخذت واحدًا وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحدًا وأبقيت ثلاثة، فإن كنت أخذت فلقد أعطيت، ولئن كنت قد ابتليت لقد عافيت!!
.....

 - المصدر: «الإيمان والحياة» لفضيلة الشيخ.