د. يوسف القرضاوي

نحن في أصول الفقه، وفي الفقه نقول: مصدرنا الأول: الكتاب والسنة، أو الكتاب ثم السنة، نقول: الكتاب. حتى قلَّما نقول القرآن. هنا يقول الله عزَّ وجلَّ: {كِتَابٌ}، وهل الكتاب غير القرآن؟

زعم بعضهم ذلك، مثلما فعل مهندس سوري ألَّف كتابًا قال فيه: الكتاب شيء، والقرآن شيءٌ آخر، والذكر شيء آخر، والفرقان شيء آخر. وقال: الفرقان من خصائصه كذا، والذكر كذا، والقرآن كذا!!

وهذا كَذِب، الكتاب هو القرآن، والقرآنُ هو الكتاب، الله تعالى يقول: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:1-3]. { أَنْزَلْنَاهُ }: أي الكتاب الذي هو القرآن {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}.

وفي سورة يوسف: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:1،2]. { أَنْزَلْنَاهُ } أي: الكتاب {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}.

وفي سورة الزخرف: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:1-3].

وفي سورة فُصِّلت: {حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:1-3]، كتابٌ فُصِّلت آياته قرآنًا عربيًا، ففي نفس الآية ذُكر الكتاب والقرآن.

فهؤلاء المتعالمونَ الذين جاءونا على آخر الزمن، وجاءوا بما لم يقُل به عالمٌ طوال أربعةَ عشرَ قرنًا، ويزعمون أنَّهم الذين يفهمونَ القرآن وحدهم، جاءوا بقرآن جديد غير القرآن الذي فهمه محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة، هم فهموا ما لم يفهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

القرآنُ هو الكتاب، والكتابُ هو الذِّكر، يختلف المفهوم ويتَّفق الماصَدَق (1)، كما نقول في علم المنطق، يعني: الأسماء لها مفهومات مختلفة، ولكن تصدُق على شيء واحد، فمثلاً السيف له أسماء كثيرة: السيف، الحسام، الصَّارم، البتَّار، كلُّ هذه الأسماء لها معنى، ولكن هو كله الماصدق. الموضوع واحد، فالذكر هو القرآن، والكتاب هو القرآن، والفرقان هو القرآن.

ونجد ذلك في سياق واحد، فالله تعالى يقول في سورة فُصِّلت: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ – أي: الذكر- لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:41، 42]. ثم قال بعدها: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ – أي: الكتاب أو الذكر - قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } [فصلت:44] فالذكر هو الكتاب وهو القرآن.

هؤلاء الذين يأتوننا بأشياء لا دليلَ عليها ولا برهان قطعي، يخالفون الأمة كلَّها، يخالفون عصور الأمة، المفسِّرين والفقهاء والمُحدِّثين والمتكلِّمين واللغويين وكل علماء الأمة، يأتي هؤلاء ليخالفوهم ويزعُموا أنَّهم هم الذين يملكون الصَّواب ويملكون الحقيقة وحدهم.

أسماء القرآن وأوصافه:

ونقل الإمام الزركشي عن أبي المعالي عُزيزي بن عبد الملك المعروف بشيدلة في كتابه (البرهان): اعلم أنَّ الله سمَّى القرآن بخمسة وخمسين اسمًا، سمَّاه كتابًا ومبينًا في قوله: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف:1، 2، والدخان:1، 2].

وقرآنًا وكريماً في قوله: { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77]. وكلاماً: { حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } [التوبة: 6]. ونوراً: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [النساء: 174]. وهدى ورحمة: { هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ } [لقمان: 3]. وفرقاناً: { نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } [الفرقان: 1].

وشفاء: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ } [الإسراء: 82]. وموعظة: { قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ } [يونس: 57]. وذكراً ومباركاً: { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ } [الأنبياء: 50]. وعلياً: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف: 4].

وحكمة: { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } [القمر: 5]. وحكيم: { تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } [يونس: 1]. ومهيمناً: { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [المائدة: 48]. وحبلاً: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ } [آل عمران: 103]. وصراطاً مستقيماً: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا } [الأنعام: 153]. وقيماً: { قَيِّمًا لِيُنْذِرَ } [الكهف: 2].

وقولاً وفصلاً: { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } [الطارق: 13]. ونبأ عظيماً: { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } [النبأ: 1، 2]. وأحسن الحديث ومثاني ومتشابهاً: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ } [الزمر: 23]. وتنزيلاً: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الشعراء: 192]. وروحاً: { أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52].

ووحياً:{ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ } [الأنبياء: 45]. وعربياً: { قُرْآَنًا عَرَبِيًّا } [يوسف: 2]. وبصائر: { هَذَا بَصَائِرُ } [الأعراف: 203]. وبياناً: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 138]. وعلماً: { مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } [البقرة: 145]. وحقاً: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } [آل عمران: 63]. وهادياً: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي } [الإسراء: 9].

وعجباً: { قُرْآَنًا عَجَبًا } [الجن: 1]. وتذكرة: { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ } [الحاقة: 48]. والعروة الوثقى: { اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } [البقرة: 256]. وصدقاً: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } [الزمر: 33]. وعدلاً: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا } [الأنعام: 115]. وأمراً: { ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ } [الطلاق: 5]. ومنادياً: { يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } [آل عمران: 193].

وبشرى: { هُدًى وَبُشْرَى } [النمل: 2]. ومجيداً: { بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ } [البروج: 21]. وزبوراً: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ } [الأنبياء: 105]، وبشيراً ونذيراً:{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا } [فصلت: 3، 4].

وعزيزاً: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } [فصلت: 41]. وبلاغاً: { هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ } [إبراهيم: 52]. وقَصَصاً: { أَحْسَنَ الْقَصَصِ } [يوسف: 3]، وسماه أربعة أسماء في آية واحدة: { صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ } [عبس: 13، 14] انتهى) (2)

{أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ}

إنزال الكتاب: أنزلناه: الله سبحانه وتعالى يتحدَّث عن نفسه بلغة التعظيم، ومَنْ أعظم من الله؟ دائمًا القرآن يقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}[يوسف: 2] ، {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} [الحجرات: 3] ، لا يقول: أنا خلقتكم وإنما يقول: { إِنَّا} سبحانه هو خالق الخلق، ومالك الملك، ومُدبِّر الأمر.

والنُّزول عادةً يكون حركةً من أعلى إلى أسفل، والقرآن نزل من السماء إلى الأرض، بل نزل من اللوح المحفوظ من أعلى العُلى إلى هذه الأرض، من الله إلى الخلق، والله سبحانه يقول: {وَإِنَّهُ – أي القرآن – فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف:4]، القرآن وصفه الله بأسمائه.

العليُّ الحكيم: من أسماء الله، ولذلك القرآن وُصف بأنه {عَلِيٌّ} وبأنه {حَكِيمٌ} وبأنه مجيد {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [البروج:21]، وهو عزيز {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت:41].

كيفيَّة نزول القرآن الكريم:

فما معنى:{ أَنزَلْنَاهُ }؟ أنزلناه من اللوح المحفوظ – من أمِّ الكتاب – إلى السماء الدنيا؟ هكذا يقول ابن عباس– رضي الله عنهما – فيما صحَّ عنه من عدَّة طرق أنه قال: " أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العُليا إلى السماء الدنيا جملةً واحدة، ثم فُرِّق في السنين، قال: وتلا هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75]، قال: نزل متفرِّقًا: " أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا" (3).

وابن عباس لا يمكن أن يقول هذا الكلام من رأيه . كيف يعرف هذا؟ وهذه من أنباء الغيب – ولذلك قالوا: إذا قال الصَّحابيُّ رأيًا أو تفسيرًا لا مجال للرأي فيه، ولم يكن ممَّن عُرف بالأخذ عن أهل الكتاب؛ اعتُبر هذا الحديث الموقوف على الصحابي في حكم المرفوع إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولذلك نحن نقول: إنِّ القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، والليلة التي نزل فيها هي ليلة القدر، ليلة القدر، ليلة نزول من السماء من أعلى علِّيين – من أمِّ الكتاب، من اللوح المحفوظ – إلى السماء الدنيا.

تفسير ابن عباس لكيفية نزول القرآن الكريم:

سُئل ابن عباس: كيف يكون القرآن نَزَل في ليلة القدر، وقرآن نزل في رمضان{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة:185]؟ القرآن نزل في رمضان، وفي شوال وفي ذي الحِّجة والمُحرَّم وصفر – ينزل طوال السنة– كيف ينزل في ليلة القدر؟. قال رضي الله عنه: " أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا" (4).

وبعضُ العلماء الذين لم يَرْضَوا بهذا التفسير قالوا:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} يعني: ابتدأنا إنزالَهُ في ليلة القدر، يعني أوَّل ما نَزَل:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، ولذلك قال بعضهم: سبعة عشر من رمضان هي ليلة القدر (5).

نزولُ القرآن وتنزُّلاته:

نحن نقبل ما جاء عن ابن عباس أنَّ القرآن نزل أولاً إلى السماء الدنيا، ثم بعد ذلك – بعد ما قَرُبَ من الأرض – أصبح ينزل حسب الوقائع والحوادث في حوالَي ثلاث وعشرين سنة، كلَّما حدثت حادثة ينزل فيها القرآن، يُعلِّم الناس ويُجيب عن تَسَاؤلاتهم، ويَحُلُّ مشكلات المجتمع الجديد والأمة الجديدة التي يبنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – على أُسس قرآنية:{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } [الفرقان:33]، {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} [الإسراء:106].

الأول: إنزالٌ من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.

الثاني: نزوله حسب الوقائع والحوادث، وهو ما يدل عليه قوله سبحانه: {تَنْزِيلُ}أي: نزَّلناه تنزيلاً حسب الوقائع؛ لأن كلمة {تَنْزِيلُ} معناها التفعيل، وهو يفيد التكثير، كثرة النزول، مرَّة بعد مرة، وحالة بعد حالة. {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} يا محَّمد، لم تُنْشِئُه أنت ولم تصنعه، بل أُنزل عليك، ليس لك منه إلا أن تَتَلقَّاه {سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى} [الأعلى:6].

وتحفظه وتُبلِّغه إلى الأمة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة:67]. وتُبيِّنه للناس:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].

وتطبِّقه عليك، لأنَّ بيانك ليس بمُجرَّد القول ولكن بالعمل، عليك أن تُبيِّن هذا القرآن وتُطبِّقه، لأنك الأسوة لهذه الأمة.

عدم توقع الرسول نزول القرآن عليه:

فالرسول أُنزل إليه هذا الكتاب، ليس له دَخْلٌ فيه، وكما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [القصص:86]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا } [الشورى:52].

أُنزل إليه الكتاب، وما كان يتوقَّع، ولذلك حينما نزلت الآيات الأولى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } [العلق:1]. حينما ضمَّه جبريل وغطَّه غطًًّا قويًا، وقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ – أنا أُمِّيٌّ – قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1- 5]، فرجع إلى زوجه خديجة وفؤاده يرجف وجسمه يرتعش (زمِّلوني زمِّلوني– غطُّوني -) (6) ما كان يتوقع هذا!

أُنزل إليه وما كان يرجوه وما كان يتوقَّعه، ما له دخل فيه، ولذلك أحيانًا يُبطئ عليه الوحي لا يستطيع أن يفعل شيئًا، ينتظر حتى يأتيه الوحي.

......................

(1) يطلق لفظ المفهوم في اصطلاح المناطقة على مجموعة الصفات والخصائص الذهنية التي يثيرها اللفظ في ذهن القارئ أو السامع، أي هو ما يفهم من اللفظ. أما (الماصدق) فهو المسميات الخارجية التي يصدق عليها اللفظ. أو بعبارة أخرى: الماصدق يطلق على الأفراد المندرجة تحت مفهوم اللفظ. فلكل اسم أو حدّ ناحيتان : ناحية الماصدق، أي: ناحية الإشارة إلى أفراد أو أشياء يتحقق فيهم أو يصدق عليهم اللفظ، وناحية المفهوم، أي: مجموعة الصفات والخصائص التي تُحمل على هؤلاء الأفراد، ويلاحظ أنه يوجد نوع من العلاقة العكسية بين المفهوم والماصدق، فكلما زادت خصائص المفهوم قلَّت أفراد الماصدق، وكلما قلَّت خصائص المفهوم زادت عدد الماصدق.

(2) انظر: البرهان للزركشي (1/273-274). وأسماء القرآن الأساسية أربعة: (القرآن، والكتاب، الفرقان، الذكر) وبقية ما نقله الزركشي هي أوصاف لهذه الأسماء.

(3) رواه النسائي في الكبري في فضائل القرآن (7990)، والطبراني في الكبير(11/312)، وفي الأوسط (1479)، والحاكم في التفسير (2/222) وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (7/140): رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه عمران القطان، وثقه ابن حبان وغيره وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات، والحاكم في التفسير (2/222)، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي.

(4) سبق تخريجه.

(5) رواه عبد الرزاق في الصيام (7697)، وابن أبي شبية في الصلاة (8772)، عن ابن مسعود موقوفا عليه.

(6) جزء من حديث متفق عليه: رواه البخاري في بدء الوحي (3)، ومسلم في الإيمان (160)، كما رواه أحمد (25865)، عن عائشة.