دعوته لإلقاء محاضرة في قطر:

ومما أذكره في تلك الفترة: التقائي الكاتب الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين رحمه الله . وقد دُعي من قبل «نادي الجسرة الثقافي» لإلقاء محاضرة في قطر، حرصت على حضورها، وكان مسرورًا بحضوري، كما كان حريصًا على أن يلقاني، وكنت أيضًا أشد حرصًا على أن ألقاه.

مقالاته وإعجابي به:

كان أحمد بهاء الدين كاتبًا متميزًا من أصحاب الأعمدة اليومية في صحيفة الأهرام، وهو وحده يمثل «مدرسة في الصحافة» وكان يكتب كل صباح تحت عنوان «يوميات» ويتناول قضايا جادَّة، تمسُّ الحياة المعاصرة: السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والدينية وغيرها. وكان له جمهوره الكبير من كل الطبقات المثقفة.

وكان يخاطب العقل المعاصر، ويقنعه بما يسوقه من أدلة واعتبارات، ولا يحاول أن يثير العواطف والانفعالات، وقد قال عنه الكاتب الإسلامي فهمي هويدي: إنه من أئمة مذاهب الصحافة! وقال الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقدمة بعض كتبه: كنت أتمنى لو كان أحمد بهاء الدين حيًا لأناقشه في بعض قضايا الكتاب.

وكنت في الحقيقة مُعجبًا بأحمد بهاء الدين، لقوته فيما يكتب، ولشجاعته فيما يتناول من موضوعات، ولتمسكه بحرية قلمه ونظافته، فلا يميل يّمْنة ولا يَسْرة، إرضاءً لزيد، أو إسخاطًا لعمرو، وكان أحيانًا يتناول موضوعات حسَّاسة وخطيرة، لا يجرؤ قلم أن يتناولها غير قلمه ... لثقته بنفسه، وإيمانه بصدق ما يكتب، وإخلاصه فيما يهدف إليه. ولهذا كان موضع احترام من الجميع، من وافقه ومن خالفه.

موقفي من أخطائه:

وعلى الرغم من أني أخذت عليه بعض الهنات والأغلاط، في بعض ما كتبه عن الإسلاميات(1): فإن ذلك لم يتثني عنه، ولم يسقط اعتباره عندي كما يفعل بعض الناس، الذين يحكمون بالإعدام على الشخص إذا ارتكب خطأ واحدًا.

وكان مما يخفف وقع أخطائه عندي: أنه لم يتح له أن يقرأ الإسلام قراءة جيدة، وأن يخالط بعض الإسلاميين الواعين القادرين على الإقناع والنصح(2)، وأن استقامته في عامة ما يكتب، ونقده للأوضاع العوج بصراحة: يشفع له.

كان لقائي معه في الدوحة لقاءًا وديًّا، وكان مما قلت له: إنَّ أول ما أقرأ من صحيفة الأهرام هو: «اليوميات». وقال لي: أنا أعتذر بهذا، فأنت لست مجرَّد عالم ديني محبوب ومحترم، بل أنت كذلك أحد المناضلين في سبيل الوطن والأمة. وما أحوج أمتنا إلى عقل ديني مستنير ومتوازن مثل عقلك.

محاضرته حول «العرب في عالم متغيِّر»:

وكانت محاضرة بهاء الدين حول موضوع «العرب في عالم متغيِّر»، وقال في بداية محاضرته: أنا لم أتعوَّد لقاء الجماهير، وإنما أكتب ما أكتب داخل غرفة مغلقة، فاعذروني إذا تهيَّبت الموقف. ولكنه كان موفقًا في إلقاء ضوء كاشف على موضوعه، بما عنده من ثقافة، وما لديه من منطق.

وبعد عودته من قطر تحدث عنّي في يومياته أكثر من مرة مشيدًا، ومُعجبًا. ثم لم يلبث أن حل به المرض ووافاه الأجل المحتوم، رحمه الله  وغفر له.

.................

(1) مثل ما كتبه قديمًا في إحدى مقالاته عن «الزكاة» حيث لم يحسن فهمها ولم ينصفها، وهو من جملة ما دفعني إلى كتابة «فقه الزكاة» لتجلية حقيقة هذا الركن المالي الاجتماعي العظيم من أركان الإسلام  لدى المثقفين المسلمين.

(2) لقي مرة أخانا الشيخ راشد الغنوشي، واستمع إليه، فأعجب بفكره، ونوه به في يومياته، وتبنّى أن يرفع الخطر عن دخوله إلى مصر.