في سنة 1980م أنشأ الإخوة العاملون للإسلام بالسودان الشقيق: مؤسسة تعني بالدعوة والعمل الخيري في المجتمعات الإسلامية، ولا سيما إفريقيا، التي يغلب عليها الفقر والمرض والأمية، وتحاول أن تغزوها التيارات المختلفة من نصرانية وشيوعية.

اختياري عضوًا في مجلس أمناء منظمة الدعوة:

وقد تلقَّيت رسالة من الأمانة العامة لمنظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم: أن المجلس قد اختارني عضوًا بمجلس أمناء المنظمة، وأنهم يهنئونني - أو كما قالوا - يهنئون أنفسهم بانضمامي إلى المجلس، راجين أن ينتفعوا بتجربتي الدعوية، وتجربتي العلمية والعملية، في المضيَّ بمسيرة المنظمة إلى الأمام.

ورددت عليهم شاكرًا، راجيًا أن أكون عند حُسن ظنهم، سائلًا الله تعالى أن يبارك في وقتي، ويمدني بتوفيقه وتأييده، مؤكدًا لهم أني مؤمن بمهمة المنظمة الجليلة في العمل الخيري والعمل الدعوي.

أهداف المنظمة :

وكان الإخوة في السودان قد أسَّسوا هذه المنظمة، لتسدّ بعض الثغرات في العمل الخيري والإنساني: في إطعام الجائع، وكسوة العاري، وإيواء المشرد، وتعليم الجاهل، ومداواة المريض، وغير ذلك من ألوان الخير، التي تفتقر إليها المجتمعات الإفريقية أكثر من غيرها، والتي انفردت بها الإرساليات التنصيرية من كاثوليكية وبروتستانتية، والتي تمدها أوربا وأمريكا بالملايين، بل بالمليارات. فكان لا بد أن يدخل المسلمون هذا الميدان ولا يدَعوه لغيرهم ممن لا يريدون بعملهم مجرد فعل الخير، ولكن يريدون أن يفتنوا الناس عن دينهم، مستغلين فقر الناس وجهلهم وحاجتهم إلى كل شيء.

السودان بوابة العرب الأولى للدعوة في إفريقيا:

والسودان هو أولى الناس بتبنّي مثل هذا العمل الخيري الدعوي في إفريقيا، لأنه البوابة الأولى للعرب للدعوة في إفريقيا، بما فيه من خصوصية ليست لغيره، وهو أنه يجمع بين العروبة والإفريقية، فيصلح أن يكون حلقة الوصل بين الإسلام والقارة السوداء.

الأمين العام للمنظمة:

وقد اختار المجلس أمينًا عامً للمنظمة معروفًا بكفايته ونشاطه وإخلاصه ووعيه، هو الأخ الحبيب الدكتور التيجاني أو غديري، الذي عرفته عضوًا حيًّا متحركًا محرِّكًا في العمل الإسلامي في أمريكا، وخصوصًا في اتحاد الطلبة المسلمين، فقد كان يمثّل إحدى القيادات المسئولة عن الجانب التعليمي والتربوي، والذي ترك أثرًا واضحًا في مجاله.

وشاء الله أن يتبوأ هذه المسئولية في هذه المنظمة المرجوّة، وقد استدعاه الإخوة للحضور من أمريكا ليتفرَّغ لهذا العمل الجديد، فلبّى النداء، وقد قضى فيه شوطًا مباركًا، ثم شاء له القدر أن يتوفى في حادث مروري، في إحدى رحلاته الدعوية ويكتب الله له الشهادة. رحمه الله  وأسكنه الفردوس الأعلى.

المدير التنفيذي للمنظمة:

وكان المدير التنفيذي للمنظمة هو الأخ الداعية المبارك النشيط المخلص، ولا أزكيه على الله: مبارك قسم الله، الذي كان شعلة من الحركة والنشاط والتفاني في العمل لخدمة المنظمة ورسالتها. وقد تسلَّم الأمانة العامة بعد أخيه التيجاني، وكان خير خلف لخير سلف. وكان مجلس أمناء المنظمة يضم عددًا من الإخوة من ذوي الوجاهة والشأن في بلاد الخليج، من السعودية والكويت وقطر والإمارات؛ لأن التمويل الأساسي لمشروعات المنظمة من الخليج.

حضوري مجالس المنظمة:

دأبت على حضور مجالس المنظمة ما وجدت سبيلًا لذلك، ما لم أكن مرتبطًا بأمر آخر لا يمكنني الفكاك منه، وهذا هو الواجب على الإنسان أن يعمله حين تتعارض أمامه المصالح، أو الخيارات بعضها وبعض، وهو ما نسمِّيه «فقه الموازنات»، وله أصل في الفقه وأصوله في باب «التعارض والترجيح».

وكان المجلس يعقد جلساته أول الأمر في الخرطوم، ثم رأى أن يعقد جلساته - ما استطاع - في العواصم الإفريقية المختلفة، تعريفًا بالمنظمة من ناحية، وتعرفًا على واقع البلد الذي يعقد فيه المجلس من ناحية أخرى.

وقد حضرت مجلسين مهمين في بلدين إفريقيين: أحدهما: في «كمبالا» عاصمة أوغندا. والثاني: في «دار السلام» عاصمة تنزانيا.

حضور مجلس المنظمة في كمبالا:

فأما المجلس الأول فكان في شتاء سنة 1987م في أثناء العام الدراسي، وكانت دولة قطر بصفة عامة، وجامعة قطر بصفة خاصة، تيسِّر لي حضور هذه الاجتماعات، والاستجابة للدعوات، لا تضع عليّ أي قيد، وتدع لي حرية التصرُّف في القَبول أو الاعتذار لما يأتيني من دعوات، وما أكثرها.

ونسيت كيف وصلت إلى «كمبالا»، لا أدري: أكان عن طريق القاهرة أم عن أي طريق آخر. واختلاف النهار والليل ينسي، كما قال شوقي رحمه الله. وعلى كل حال، ذهبنا إلى هذ البلد الذي فيه أحد منابع النيل(1): البحيرات الكبرى التي كنا ندرسها في الجغرافيا، بحيرة فيكتوريا، وبحيرة ألبرت إدوارد، وألبرت إنينزا. ورأيت بحيرة فيكتوريا على سَعَتها.

واطَّلعنا على بعض المعالم في المدينة، ومنها: المسجد الضخم الذي أراد «عيدي أمين» الحاكم العسكري السابق إقامته، وقام على الأعمدة، وبقي غير مكتمل، ولا أدري إلام انتهى أمره اليوم. وكانت كمبالا كمعظم بلاد إفريقيا السوداء، ينقصها كثير من مظاهر المدنية والرقي المادي والتكنولوجي، الذي يجعلها تعيش في عصرنا، عصر الثورات العلمية. وكان الفندق الذي نقيم فيه متواضعًا جدًّا، برغم أنه من أرقى الفنادق عندهم، حتى الطعام لا نجد فيه من التنوع ما نستطيع معه اختيار ما يلائمنا. كان معظم ما عندهم «الموز» يقدمونه في الوجبات الثلاث.

ومن اللطائف التي أذكرها: أني بحثت عن «الجبنة» فلم أجدهم يعرفون لها أثرًا، أو يسمعون لها خبرًا. وكان معنا وكيل وزارة الأوقاف الكويتي الأستاذ محمد بن ناصر الحمضان - وهو رجل فكه خفيف الروح - وقد اجتهد معي أن نجد مصدرًا نأتي منه بقطعة جبن فعجز وعجزنا، ورضينا بما قسم الله لنا. وظل بعد ذلك كلما لقيني بقول: تريد «جبنة» فأمازحه قائلًا: لقد صار لدى الأمة اليوم مخزون هائل من «الجبن». مورِّيا بحالة التقاعس التي ابتليت بها الأمة، وخصوصًا في قضية فلسطين.

ترشيح المشير عبد الرحمن سوار الذهب لرئاسة المنظمة:

وفي هذا المجلس كنا في حاجة إلى اختيار رئيس جديد للمنظمة، لا أدري: أستقال الرئيس السابق أم انتهت مهمته؟ لا أذكر، ولكني اتفقت مع بعض الإخوة على أن نرشح للرئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وهو وجه مقبول ومحبوب في داخل السودان، وفي العالم العربي والإسلامي، ووجوده يعطي دفعة جديدة للمنظمة، وهو رجل غير منسوب إلى جماعة ولا إلى فئة. وهذا يفيد المنظمة التي كثيرًا ما تنسب إلى الجبهة القومية الإسلامية «جبهة الترابي في ذلك الوقت».

وكان الجميع موافقين ما عدا عضوًا واحدًا، «نسيت اسمه» كان لواءً متقاعدًا في الجيش السوداني، وقال: أنا لا أوافقكم على هذا، وأرى أن نترك المشير بعيدًا عن المنظمات كلها، فقد يأتي وقت يحتاج إليه الوطن كله لإنقاذه، كما فعل في المرة السابقة، ومثل هذا المنصب ينأى به عن ذلك.

وكان الرد: أن المنظمة ليست هيئة سياسية، والعمل فيها لا يحول دون الترشح لما يتطلبه الموقف الوطني في وقته. وعلى كلّ نحن نرشِّح الرجل، وهو الذي يقدر الموقف، ويحسن أن يقول: نعم أو لا.

وقد وافق الجميع على ذلك، وحمل الأمين العام إليه رأي المجلس، فكان الرجل عند حسن الظن به، ولم يتردَّد في قَبول المنصب، وقال: إنه تكليف لا تشريف، وأنا أريد أن أختم حياتي بمثل هذا العمل الصالح، إسهامًا في النهوض بالأمة، والوقوف في وجه الذين يريدون بها الشر.


المشير عبد الرحمن سوار الذهب رحمه الله

صلاة الجمعة في الجامع الكبير في «كمبالا»:

ومما أذكره: أن يوم الجمعة صادفنا في الاجتماع، فأخذنا الإخوة من المجلس الإسلامي الأوغندي إلا الصلاة في الجامع الكبير في المدينة، وطلبوا مني أن ألقي كلمة على المصلين بعد الصلاة. وقدمني أحد علماءهم بكلمة، كان مما قاله فيها: إنه صاحب كتاب «الحلال والحرام» الذي ترجم إلى لغتكم السواحلية وقرأتموه... ولم أكن أعرف قبلها: أن الكتاب ترجم إلى السواحلية. وألقيت كلمة مناسبة، أقبل الناس الناس بعدها عليّ يصافحون ويعانقون، وهو ما تفعله الروح الإسلامية أبدًا في كل مكان.

في دار السلام:

والمجلس الثاني: كان في صيف سنة 1988م، وكان في مدينة «دار السلام» عاصمة تنزانيا، وهو اسم عربي خالص، كانت تسمَّى به مدينة «بغداد» عاصمة الدولة العباسية، وهو يدل على مدى التغلغل العربي الإسلامي في إفريقيا من قديم. ولو كان المسلمون يحملون رسالة الإسلام بحق، كما يأمرهم دينهم، لتابعوا نشر الدعوة الإسلامية في هذه القارة التي دخلها الإسلام منذ عصر النبوة، ولكانت القارة الإفريقية «قارة إسلامية» بلا منازع.

انتشار الإسلام في إفريقيا:

لقد انتشر الإسلام في معظم إفريقيا بالسلم لا بالحرب، وباللسان لا بالسنان، وبأخلاق المسلمين لا بسيوفهم، انتشر عن طريق الطرق الصوفية، وعن طريق التجار المسلمين الصادقين. وحين دخل الاستعمار إلى إفريقيا في القرن الثامن عشر: وجد الإسلام فيها مستقرًا، ليس للنصرانية فيها إلا أقليات في بعض البلدان، مثل: مصر والسودان والحبشة، ولكنه وضع خطته الماكرة لمطاردة الإسلام وإحلال النصرانية مكانه.

ومن المعلوم: أن أوربا المستعمرة في ذلك الوقت كانت دولها علمانية، بعد أن تحررت من سلطان الكنيسة، وفصلت الدولة عن الدين. ومع هذا نرى هذه الدول علمانية في الداخل: نصرانية في الخارج، تلبِّي بكل قوة وحماسة مطالب التنصير أو «التبشير» كما يسمونه. وتقوم بحمايته ورعايته، وترى في هذا التنصير سندًا ونصيرًا لتحقيق أهدافها، يؤيدها ويدعمها باسم الدين باسم التوراة والإنجيل.

ولقد كنت تنزانيا قبل مدة قليلة، يحكمها الاشتراكيون الماركسيون، وما زلنا نذكر اسم الزعيم «نيريري» الذي طالما نوَّه به الزعيم المصري جمال عبد الناصر. ولقد عرف الناس في المشارق والمغارب كيف اضطهد هذا الرجل العرب والمسلمين، ونصب مذبحة كبرى لهم، سقط فيها ثلاثون ألفًا، كما أذاعت وكالات الأنباء في ذلك الوقت. وهذه الدولة تتكوَّن من جزأين: تنجانيقا وزنجبار. فأما تنجانيقا، فهي الجزء الأكبر والأغنى والأقوى والأكثر تحضُّرًا، وفيه العاصمة، وأما زنجبار، فيغلب عليها العنصر العربي. ومنهم شافعية، ومنهم إباضية.

وقد نزلنا في أحد الفنادق الكبرى في العاصمة، وقد اجتمع المجلس هذه المرة برئاسة رئيسه الجديد المشير سوار الذهب، وكان الجميع مسرورًا بوجوده، مستبشرين بالخير والتقدم لمستقبل المنظمة، بقيادة هذا الرجل الذي ضرب المثل بالتنازل عن كرسي الرئاسة مختارًا، مؤثرًا أن يكون مواطنًا عاديًّا يخدم وطنه، مع سائر المواطنين، في حين يستقتل آخرون مكروهون من شعوبهم في سبيل البقاء فوق الكرسي الساحر، ويسحقون كل من قاومهم أو تخيلوا أنه يمكن أن يقاومهم. ولا يكنفون بذلك، بل يحاولون توريث الكرسي إلى أبنائهم. ولأول مرة في العالم، يرى الناس في بلادنا وحدها نظام التوريث في الجمهوريات!!

اقتراحي إعداد الدعاة المؤهلين:

وكان كثيرًا ما يدعي المشير لبعض الأمور، فينيبني لإدارة الجلسة. وأذكر أني اقترحت في هذه الدورة اقتراحًا مهمًا، وهو: أن المنظمة تحمل اسم «الدعوة» منظمة الدعوة الإسلامية، ومع هذا لا تباشر الدعوة بطريقة مباشرة، لكن بواسطة العمل الخيري الذي يمهِّد لانتشار الدعوة، وأرى أنه غدا من المناسب أن تخوض المنظمة لُجَّة الدعوة بإعداد الدعاة المؤهَّلين علميًّا وفنيًّا ولغويًّا، والمدرَّبين على التعامل مع الناس، وبيئتهم في مناطق شتى حسب الأولوية.

استمارة كفالة داعية:

وأقترح هنا: أن ننشئ استمارة «كفالة داعية» كما عرف الناس «كفالة يتيم» ووجد إقبالًا من المسلمين، فينبغي أن يدخل هذا المصطلح الجديد «كفالة الداعية» ميدان العمل الخيري. ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ووقع هذا الاقتراح موقع القبول من الأعضاء جميعًا، ورحَّبوا به، وأظنه بعد ذلك بدأ يدخل ميدان التطبيق. وجاء يوم الجمعة، فاتفق مسلمو دار السلام على أن أخطب الجمعة في مسجد «الجنيد» وهو مسجد الجماعة اليمنية التي تقيم بالعاصمة، وهم مهاجرون قدامى، يزيد عددهم على ستين ألفًا، ولهم أئمتهم ومدارسهم وتراثهم.

مزية اليمنيين بانتشارهم في العالم:

واليمنيون يتميَّزون عن سائر إخوانهم من العرب: بأنك تجدهم في كل مكان في العالم، من الشرق أو من الغرب، فهم يؤمنون أنَّ الحركة بركة، وأنَّ الجمود هلكة، وأن العز في النُّقل، كما قال الطغرائي في لاميته:

إنَّ العلا حدثنتي وهي صادقة                 فيما تحدث: إن العزَّ في النُّقل

ومثله قال الإمام الشافعي فيما كنا نحفظه في الصبا:

ما في المقام لذي عقل وذي أدب               من راحة فدع الأوطان واغترب

سافر تجد عوضًا عمّن تفارقه                   وانصب فإنَّ لذيذ العيش في النصب

إني رأيت وقوف الماء الماء يفسده             إنْ ساح طاب وإن يَجْر لم يطب

والأسد لولا فراق الغاب ما افترست        والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة             لملَّها الناس من عجم ومن عرب

والتبَّر كالترب ملقى في أماكنه                والعود في أرضه نوع من الحطب

فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبه                          وإن تغرَّب ذاك اعتزَّ كالذهب

فلا غرو أن وجدت اليمنيين في أمريكا، في قرية لهم، يتكلمون فيها العربية، ويعيشون فيها محتفظين إلى حد كبير بتقاليدهم ومفاهيمهم الخاصة، وذلك في ولاية «دترويت». ووجدتهم في إندونيسيا، ولهم منطقة خاصة في العاصمة: دعونا إليها، وأطعمونا الطعام اليمني «بنت الصحن» وغيرها.

ولا غرو فهم الذين فتحوا إندونيسيا، عن طريق تجارهم من حضرموت وما حولها، الذين قدموا إلى هذه البلاد ليشتروا فيها ويبيعوا، ولكنهم أخذوا منها التوابل وغيرها، وقدموا لها: «الإسلام» الذي رضوه دينًا لهم، وعاشوا له وماتوا عليه. رأيت اليمنيين في إندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم الإسلامي.

ورأيت اليمنيين أيضًا في سنغافورة، واطَّلعت على بعض أنشطتهم، وزرت مدرستهم المعروفة هناك بـ «مدرسة الجنيد». وقد سألت الإخوة في تنجانيقا، وقلت لهم: ما سر الاشتراك في الاسم بينكم وبينهم؟ هذا مسجد الجنيد، وتلك مدرسة الجنيد. فقالوا: نحن أبناء عمومة. وكان من الأشياء التي سهَّلتها لنا الدولة: زيارتنا لزنجبار التي تجوَّلنا فيها لعدة ساعات، وصلينا الظهر والعصر جمعًا في أحد مساجدها، وتناولنا الغداء ضيوفًا على أهلها. وإن كنت لم أعد أذكر شيئًا من تفاصيل هذه المرحلة، لطول المدة، ولأني لم أكتب سطرًا واحدًا عن هذه الرحلة ولا غيرها بعد عودتي منها.

رسائل تدعو إلى المذهب الجعفري:

ومما أذكره من هذه الرحلة: أن الفندق الذي نزلنا به: كان به رسائل تدعو إلى المذهب الجعفري «الشيعي» بعضها مكتوب باللغة الإنجليزية، وبعضها باللغة المحلية «السواحلية». وكانت إيران في هذا الوقت مشغولة بالحرب مع العراق التي كلفتها كثيرًا من المال والرجال. ومع هذا لم تنس الدولة - وهي في هذه المعمعة - أن تقوم بما تراه واجبًا في نشر الدعوة إلى مذهبها!

وقد قال لي بعض الأعضاء عاتبًا: أين أنتم يا علماء السنة مما يقوم به غيركم؟

قلت له: إن هذا مذهب وراءه دولة، ودولة غنية، وأكثر من ذلك: أنها دولة «رسالية» ونحن لا دولة لنا. بل نحن كل ما نطمع فيه: أن تتركنا الدولة في حالنا، وأن تكفَّ أذاها عنا، وألا تعوق حركتنا، وتسلط علينا زبانيتها يسوموننا سواء العذاب والهوان!

فانظر يا أخي كم يكون الفرق بين مَن وراءه دولة تؤيّده ومن وراءه دولة تقيّده!

..................

(1) لأن للنيل منبعًا آخر من هضبة الحبشة، وهو الأهم.