د. كلثم جبر الكواري

يشكلُ العلّامة يوسف القرضاوي علامة بارزة في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر، بفكره الذي اتسم بالتسامح ونبذ الخلافات بين المُسلمين من أجل الوصول إلى موقف موحد يستطيع المسلمون به مواجهة التحديات والتغلب على الصعوبات في تعاملهم مع أعدائهم الذين نذروا أنفسهم للنيل من الإسلام والمسلمين، في زمن تكالبت فيه قوى الشر لتأجيج النزاعات والخلافات بين الأمم والشعوب، فما يكاد السلام يحل بأرض إلا وسارعت مؤسسات التخريب العالمية لزرع الفتن بين الأمم وشعوبها، وقد نالت الأمة الإسلامية -باختلاف شعوبها- النصيب الأوفر من المؤامرات الخفية والمُعلنة، ومن لطفه تعالى ورحمته الواسعة بعباده أن سخّر للأمة علماء قادوا مسيرة التنوير لكشف تلك المؤامرات على حقيقتها، درءًا لأخطارها، وتحاشيًا لآثارها الهادفة للإساءة للإسلام والمسلمين، ومن هؤلاء العلماء العلامة القرضاوي يرحمه الله، ورجل بهذه القامة لا بد أن تحتفي الأمة بتراثه الفكري وما تركه من مؤلفات جديرة بعناية واهتمام المُسلمين خاصتهم وعامتهم.

في هذا الإطار قامت جامعة قطر بهذه المُهمة خير قيام، عندما دشّن الدكتور عمر بن محمد الأنصاري رئيس الجامعة في الأسبوع الماضي، موسوعة العلّامة القرضاوي التي ضمت مجلداتها البالغة 105 مجلدات.. مختلف العلوم الشرعية من قرآن وفقه وأصول وسنة وعقيدة وتاريخ وفكر وخطب وتراجم شخصية، وجاء هذا الاهتمام بتراث الشيخ القرضاوي على هامش أعمال المؤتمر الدولي حول قضايا التجديد في فكر الشيخ القرضاوي، الذي استضافته الجامعة تحت عنوان «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر العلّامة يوسف القرضاوي» بحضور نخبة من المُفكرين والعلماء والباحثين من مُختلف دول العالم الإسلامي.

والجدير بالذكر (أن هذا المؤتمر يتناول تراث القرضاوي بالدراسة والنقد الهادف، بُغية وضعه في متناول طلاب العلم والباحثين في جوانب العلوم الشرعية جميعها) هذا ما أكده عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة د. إبراهيم الأنصاري.

لقد قدّمت جامعة قطر بهذا العمل الجليل خدمة كبرى ليس لطلبة العلوم الشرعية فقط، بل لكل المُهتمين بالفكر الإسلامي المُعاصر، الذي يشهد تحولات جديدة في تعامله مع مُستجدات العصر من منظور إسلامي يعي تمامًا خطورة ما يعنيه الانجراف خلف تيارات التضليل والتغريب واستلاب الهوية، وغير ذلك من غرائب الأفكار الوافدة من مخلفات غير المسلمين، مع أن الإسلام هو دين السلام والمحبة والعدل، وقد جاء لإنقاذ البشرية من جهلها وتهافتها على كل ما قد يقودها إلى الهاوية، وبهذا العمل الرائد تقدم جامعة قطر إضافة هامة لمبادراتها الجادة في تأصيل قيم العمل الإنساني الشامل استجابة لتطلعات القيادة الواعية لأن تكون قطر دومًا مصدرًا دائمًا وثريًا للفكر الإنساني الهادف لإشاعة الخير والسلام بين البشر، ومساندة الجهود الأممية الهادفة لكل ما فيه أمن وازدهار العالم.

وشكرًا لجامعة قطر التي تفاجئنا دومًا بمنجزاتها الرائدة والرائعة.

- المصدر: الراية، 23-10-2023