محمد طلبة رضوان

هل تذكر كيف تحوّل محمد البرادعي، في الرواية المصرية، من رمز وقيمة، بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام، إلى المسؤول عن تدمير العراق، بعد ثورة يناير؟ كان البرادعي هو الرجل الذي لم يسمح، أبدًا، بدخول الأميركان إلى العراق، وفنّد تقريره "المهني" كل ادّعاءات الإدارة الأميركية على النظام العراقي، ومع ذلك نجح "خبراء الكذب" في ترويج العكس، ولا يزال هناك من يتصوّر أن دماء العراقيين في رقبة البرادعي. هذا هو البرادعي، خصم نظام عربي واحد، في مرحلة سياسية واحدة، فما بالنا بالقرضاوي، وهو الذي اشتغلت على سيرته وأفكاره أجهزة سبعة أنظمة إقليمية بسبب آرائه في مشروعية المقاومة والثورة؟

كان القرضاوي «مفتي الإرهاب»، في الرواية الإسرائيلية، حين أفتى للمقاومة الفلسطينية بجواز العمليات الاستشهادية (عام 2000)، وتابعه في هذا شيوخ رسميون في مصر والسعودية، وهو رأي فقهي له زمان وظرف. مقاومة محدودة الإمكانات في مواجهة احتلال استيطاني ودولة فصل عنصري تدعمها أقوى دولة في العالم. روّجت إسرائيل أن المقاومة إرهاب، وكذلك مفتيها، وتسبّبت في حصار القرضاوي أمنيًا وسياسيًا، ومنعته من دخول نصف بلاد الدنيا. ومع ذلك، فشلت في ترسيخ الرواية عربيا، ولم يرفض استقباله من الحكام العرب سوى كنز إسرائيل الاستراتيجي حسني مبارك، حتى جاءت الثورات العربية، وساندها القرضاوي، فاعتبرته أنظمة الثورات المضادّة إرهابيا، واعتمدت الرواية الإسرائيلية.

القرضاوي «مفتي الدم» في رواية بشار الأسد. بدأت الثورة السورية سلمية، واستمرت ستة أشهر تقاوم آلة القمع والقتل، بالتظاهر السلمي، ورفضت مجموعات من الجيش السوري قتل شعبهم، وانشقّوا، واستدعى بشّار الإيرانيين وحزب الله، وخاضها حربا طائفية، وكاد أن يخسَرها، فاستدعى الروس، الذين ارتكبوا جرائم حرب وحشية، لن ينساها التاريخ. ورأى القرضاوي أن من يقف مع النظام السوري، في حربه على شعبه، مدنيا أو عسكريا، يستحق القتال، فهل هذا يحتاج إلى فتوى؟ هل قتال من يقاتلك جريمة؟ هل محاربة من يحاربك جريمة؟ هل الطرف الذي أشعل الحرب الأهلية في سورية هو «الوطني»، الذي يستحق الدعم، والطرف الذي رفضها وقاومها ولم يخُضها إلا مجبرا هو الخائن ومستحلّ الدماء؟ هل نجحت دعايات الأنظمة الاستبدادية في إفقادنا حاسّة المنطق إلى هذا الحد؟ وبالمناسبة: لم يحرّض القرضاوي على قتل محمد سعيد البوطي، لم يأمر (أو يفت) به قبل حدوثه، ولم يقرّه بعد حدوثه، وكلامه عن البوطي كان في معرض السجال بينهما، وقال البوطي مثله وأكثر، ومع ذلك جرى الربط التعسفي بين مقتل البوطي وكلام القرضاوي، وكأن الجهة التي نفّذت قتل البوطي، في عملية استخباراتية منظمة، كانت تنتظر رأي القرضاوي أن البوطي فقد عقله!

أفتى الشيخ علي جمعة بأن معارضي الانقلاب العسكري في مصر (2013) خوارج، ورد القرضاوي، على الهواء، بأن توصيف الخوارج، تاريخيا، وما ارتبط به من أحاديث، ينطبق على من خرجوا على محمد مرسي. وكرّر محمد عمارة المعنى نفسه في مداخلة تليفونية، وقال إن الخروج هو «الخروج المسلح»، وأكد القرضاوي صحة كلام عمارة. والمقصود، كما هو واضح، ليس المتظاهرين ضد مرسي، إنما من خرج بالدبابة، على حد تعبير عمارة، وسواء اتفقت أو اختلفت مع رأي القرضاوي، فإنه لم يتحدّث عن المتظاهرين، من قريب أو بعيد. ومع ذلك تحوّل، في رواية الإعلام المصري، إلى الشيخ الذي حرّض على معارضي مرسي ووصفهم بالخوارج.

هل تريد تحميل القرضاوي مسؤولية هزيمة 1967، ثغرة الدفرسوار، خروج مصر من كأس العالم؟ ليس صعبا، فقط اقرأ النموذج الإرشادي، واتّبع التعليمات. دعا القرضاوي منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي إلى أن يكونوا «شهداء» على ما يحدُث في مصر، (يوليو/ تموز 2013)، والفيديو موجود، ومعناه واضح، يطلب القرضاوي من منظمات إقليمية ودولية، ومن العالم كله، أن يشهدوا على ما يحدُث، بوصفه انقلابا. ولكن، وبقدرة قادر، تحوّلت الشهادة إلى الاستشهاد، والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى «داعش»، والقرضاوي إلى مسؤول عن قتل الجنود المصريين في سيناء.

.....

- المصدر: العربي الجديد، 4-10-2022