السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يأخذ من كل مذهب الأسهل له؟ فهل هذا جائز أم لا؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

لا يجوز للإنسان أن يتبع هواه في الأخذ من المذاهب، أن ينظر ما يحلو له فيأخذه، فإذا كان يريد- مثلًا- أن يأخذ من جاره بالشفعة يقول: الشفعة للجار. وإذا كان الجار هو الذي يريد أن يأخذ منه بالشفعة يقول: لا، الشفعة ليست إلا للشريك.

يجعل الدين تبعًا لهواه، يأخذ ما يحلو له، لا، المفروض يأخذ مذهب الأقوى والأرجح، إذا كان من أهل الاجتهاد أو من أهل العلم ويستطيع ترجيح الأدلة فيرجح بين الأدلة، إذا كان من العوام غير المشتغلين بالعلم فيبحث عن العالم الذي يطمئن إليه، ويطالبه أن يفتيه بالرأي الأرجح والأقوى دليلًا، ولا يتَّبع الرخص، ولا يبحث عن الأسهل وزلات العلماء والرخص.

ومن ضوابط الأخذ بالرخص:

 - أن لا يكون الأخذ بالرخصة لغرض فاسد، ومن هنا جاء منع تتبع الرخص لكف الناس عن الجري وراء الأسهل من غير دليل، والأصل أنه يجوز للعامي أن يأخذ في كل مسألة بقول مجتهد هو أخف عليه، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ما خفف على الناس.

 - أن لا يجمع بين رخص من عدة مذاهب، ليخرج بصورة جديدة تخالف الإجماع، كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد من العلماء.

كذلك ليس من الضروري أن يبحث عن الأشد والأثقل، فبعض الناس يظن أنه لكي لا يأخذ الأسهل يبحث عن الأصعب والأشد، لا؛ لأن كثيرًا ما يكون الأرجح دليلًا هو الأيسر, وهذا بتجربتي، وجدتُ أن أيسر الآراء الأقوى في الدليل؛ لأن هذا الدين قائم على اليسر، وليس على العسر {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة:185)، وما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما (1).

فأكثر الآراء تيسيرًا هي أقواها دليلًا في الجملة، فالإنسان يبحث عن الأرجح وإن كان هو الأيسر، وأحيانًا إذا كانت الأدلة متكافئة يرجِّح الإنسان الأيسر، وخصوصا عند الحاجة، فقد يُفتى بالرأي الأيسر لشدة الحاجة إليه، ولعموم البلوى، فيراعي حاجة الناس، ولذلك العلماء قالوا: ما حرُم لذاته يباح للضرورة، وما حرُم لسد الذريعة يباح للحاجة، والضرورات تبيح المحظورات، وما يشقُّ الاحتراز منه يعفى عنه، والمشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع... إلى آخر ما قالوه من قواعد في هذا الأمر.

.....

(1) متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (6126)، ومسلم في الفضائل (2327)، كما رواه أحمد (24846)، عن عائشة.