مجيب الرحمن عتيق الندوي

دار العلوم - الهند

لقد توفي علم بارز شامخ من أعلام هذه الأمة الشيخ الإمام العلامة يوسف القرضاوي رحمه الله عن حياة عامرة مليئة بالأعمال العظيمة والجهود الجبارة، وودعته الأمة والحركات والشخصيات في حقل الدعوة والجهاد بعيون باكية وفؤاد متألمة، وقلوب مؤمنة بقضاء الله، ولا يظهر أمثاله إلا أحيانا، فكان فلتة من فلتات الدهر ونادرة من نوادر الزمان، وإن وفاة الشيخ القرضاوي ليست وفاة رجل من عامة الناس، وإنها وفاة رجل تصدق عليه المقولة الشهيرة "موت العالِم موت العالَم" ولعمري ليس موته يقاس على الممات، وقد صدق الشاعر: وما كان قيس هلكه هلك واحد   **  ولكنه بنيان قوم تهدما

إن أمثال القرضاوي لا يولدون إلا بعد فترات طويلة، ولا يمخض الزمان بأمثاله إلا نادرا..

                        حلف الزمان ليأتين بمثله  **  حنثت يمينك يا زمان فكفر

لقد كان مثالا صادقا للعالم الرباني الذي يسخر حياته وجميع مواهبه التي حباه الله بها، لنشر العلم والمعرفة والتعليم والتدريس والتربية وإصلاح الخلق، والدعوة والجهاد وترشيد الصحوة، وتمثيل الفكر الإسلامي العادل المتزن الذي لا غلو فيه ولا شطط..

وأعظم ما يجعله شامة بين أقرانه ومعاصريه من العلماء والدعاة والزعماء والقادة ويرفع قده وقدره عليهم، أنه كان شجاعا، مقداما، ذا غيرة وحماسة دينية، فلم يخف في الله لومة لائم، ولم تمنعه المصالح والمنافع عن قول كلمة الحق، فما نافق ولا جامل ولا ساوم ولا خضع للطغيان، ولا انحنى للباطل، بل ظل ثابتا صامدا على منهجه، صابرا على الأذي، محتسبا، قويا بالله، معتزا بدينه، منتصرا بنصرته، معليا كلمته، ناشرا دينه، متحديا الطغاة والبغاة، وجبابرة العصر وقياصرته.

إذا هم ألقى بين عينيه عزمه  **  ونكب عن ذكر العواقب جانبا

في سبيل الدين هاجر، وغادر وطنه، وترك أهله وأقرباءه وأصدقاء طفولته، وضحى بالمناصب، ولقي السجن، وتحمل ما تحمل من الأذى والبهتان.

كان مجاهدا عظيما، مجاهدا بالعلم والقلم، والدعوة والنشر، والجولات والرحلات، مجاهدا بالتأليف والتصنيف، مجاهدا بقول كلمة الحق عند سلطان جائر.

كان صداعا بالحق في وقت كثر فيه النفاق والشقاق، والتملق وحب الزلفى لدى السلطان، وصار فيه الجاهرون بالحق أندر من  الكبريت الأحمر، أو كالعَنقاء المُغْرب. جريئا في قول الحق والإنكار على ظلم الظالمين وبغي البغاة المفسدين من الحكام الجائرين.

كان خطيبا مصقعا، يسحر الناس بخطابته المؤثرة النافذة في القلوب، وكاتبا كبيرا، ومؤلفا شهيرا، جاد براعته بعشرات من الكتب، وخلد تراثا قيما رائعا ومكتبة إسلامية ثراء، وفقيها له آراؤه واجتهاداته، وشاعرا مطبوعا، يستعمل موهبته الشعرية الفذة في مصارعة الباطل و تحدي الطغيان و الدفاع عن الإسلام ونصرة قضاياه، جامعا بين الأصالة والمعاصرة، بين المرونة الملتزمة والتقيد اللازم، بين التجدد المنضبط والمحافظة الأصيلة، فلم يكن جامدا جمود المتعصبين، ولم يكن حرا حرية المحْدَثين المنبهرين بالحضارة الغربية، بل كان ممن ساهم في تقليل الانبهار بها، والجري وراءها بدون وعي وفهم.

إنه تحدى الحضارة الغربية، وواجه أفكارها، وكشف عوارها وضلالها، وانتقد حضارتها، انتقادا لاذعا، وناصر القضايا الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي هي أم القضايا وأولااها بالعناية والاهتمام، و دعا إلى حلها حلا عادلا، وإلى تحرير الأراضي الفلسطينية من المحتلين الآثمين.

وباختصار إنه كان عالما يندر مثاله في العصر الحاضر، جمع بين الرسوخ في العلم الشرعي، وبين الاطلاع على الأفكار والنظريات المعاصرة، وبين الزهد في المناصب، والجهر بالحق، والتضحية بالمنافع المادية، وبين التدريس والتأليف، والدعوة والتصنيف، والغيرة والإباء والترفع والتنزه عن الدنايا، والبعد عن عتبات السلاطين والحكام والملوك والوزراء والأغنياء،  وتحمل المشاق والمصائب من أجل الدين.

محطات ومواقف ومعلومات هامة من حياته العامرة:

- ولد بمصر عام ١٩٢٦.

-عاش يتيما فعندما كان عمره سنتين توفي والده.

- حفظ القرآن الكريم وعمره أقل من عشر سنوات.

- نال المرتبة الثانية على مستوى المملكة المصرية في الشهادة الثانوية وقتها.

- تخرج من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر وترتيبه الأول.

- سُجن ٤ مرات أولها في العهد الملكي بمصر و٣ مرات بعهد المجرم الهالك جمال عبدالناصر الذي كان يعدم العلماء بالأسيد، وهكذا كان العلماء الربانييون تحملوا مرائر السجون وعذاب المعتقلات في مختلف العصور، فما زادهم ذلك كله إلا إيمانا وتسليما، وثباتا على الحق، واستقامة على الموقف، وصمودا أمام الطغيان

- كان شاعرا فكتب على سبيل المثال في سجنه ملحمة الابتلاء (نونية القرضاوي) وكانت أكثر من ٣٠٠ بيت.

- سافر إلى قطر عام ١٩٦١ وعمل مديرا للمعهد الديني ثم حصل على الجنسية القطرية في ستينيات القرن الماضي.

- في عام ١٩٧٧ أسس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر وبقي عميدها حتى عام ١٩٩٠.

- رفضت سلطات بريطانيا منح يوسف القرضاوي تأشيرة الدخول إلى أراضيها بسبب فتواه بتأييد العمليات التفجيرية الاستشهادية داخل الكيان الصهيوني حيث اعتبرتها بريطانيا إرهابية ورفضت دخول القرضاوي إلى بريطانيا بسبب فتواه لتلك العمليات.

- انتقد قطر عام 2009 لسماحها لصحفي دنماركي يعمل بصحيفة "يولاندز بوستن" التي نشرت الرسوم المسيئة للنبي محمد عام 2005 للمشاركة في الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة قال الشيخ القرضاوي: "هذا الرجل الذي جاء إلى الدوحة ما كان لقطر أن تسمح له".

وعللت قطر أنها لم تكن تعلم أن هذا الصحفي الدنماركي يعمل لتلك الصحيفة.

- ابنته الكبرى أستاذة دكتورة في الفيزياء النووية.

- له ابنة دكتورة جامعية في الكيمياء الضوئية.

- انتسب للإخوان المسلمين وعُرض عليه تولي منصب المرشد العام عدة مرات لكنه رفض، ثم ترك العمل التنظيمي معهم.

- اعتبر أن مشروع حسن البنا هو المشروع السني الذي يحتاج إلى تفعيل وترشيد.

- انتقد قطر في مايو 2001 لدعوتها عقد لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في قطر. وقال: "أربأ بدولة قطر وأرض قطر أن تستقبل شارون على أرضها... لا أهلا بشارون في قطر... قلت لمن صافح بيريس سفاح قانا. أن يغسل يديه سبع مرات إحداها بالتراب. وأقول لمن صافح ويصافح الجزار شارون سفاح "صبرا" و"شاتيلا": إغسل يديك سبعين مرة

- نال جوائز عالمية متعددة من السعودية وماليزيا والكويت وبروناي والإمارات وقطر والأردن.

- احتل عام ٢٠٠٨ المرتبة الثالثة على مستوى العالم كأحد مفكري العالم الإسلامي.

- ألف أكثر من ١٧٠ كتابا وبرامج تلفزيونية متنوعة أكثرها انتشارا: الشريعة والحياة.

من مؤلفاته:

- الحلال والحرام في الإسلام

- كتاب فتاوى معاصرة

- فقه الجهاد

- من فقه الدولة في الإسلام

- فقه الزكاة

- فقه الطهارة

- فقه الصيام

- فقه الغناء والموسيقى

- فقه اللهو والترويح

- دراسة فى فقه المقاصد

- في فقه الأقليات الإسلامية

- الفقه الإسلامي بين الأصالة و التجديد

- الاجتهاد في الشريعة الاسلامية

- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية

- الفتوى بين الانضباط والتسيب

- عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية

- الاجتهاد المعاصر بين الانضباط و الانفراط

- دية المرأة في الشريعة الإسلامية

- موجبات تغير الفتوى

- الفتاوى الشاذة

- زراعة الاعضاء في الشريعة الاسلامية

- مشكلة الفقر و كيف عالجها الإسلام

- فوائده البنوك هي الربا الحرام

- دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي .

- ساهم بتأسيس وترأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وعضو مجمع الفقه الإسلامي.

قالوا عنه:

لقد اعترف العلماء والدعاة في العالم الإسلامي بفضل القرضاوي ومكانته وقدره، وقالوا عنه كلمات رائعة إعترافا به وإشادة بدوره، نذكر فيما بعضها:

 - محمد الغزالي: القرضاوي من أئمة العصر، ولقد سبق سبقا بعيدا، الشيخ يوسف كان تلميذي، أما الآن فأنا تلميذه.

- عبد العزيز بن باز: كتبه لها ثقلها وتأثيرها في العالم الإسلامي.

- أبو الحسن الندوي: القرضاوي عالم محقق، وهو من كبار العلماء والمحققين.

- مصطفى الزرقاء: القرضاوي علامة العصر وهو من نعم الله على المسلمين.

- عبد الفتاح أبو غدة: القرضاوي فقيهنا ومرشدنا..

- عبد الله بن بية: القرضاوي إمام من أئمة المسلمين وضمير الأمة.

- عبد المجيد الزنداني: القرضاوي عالم ومجاهد.

- راشد الغنوشي: القرضاوي في كلمة واحدة: إمام مجدد.

- عصام العطار: يوسف القرضاوي.. وكفى..!

- أحمد الريسوني: القرضاوي فقيه المقاصد.

- عصام البشير: الإمام القرضاوي: أمة في رجل ، و قارة في وطن.

- زغلول النحار: القرضاوي إمام عصره بلا منازع!

- عبد الرزاق قسوم: القرضاوي الحكيم الفيلسوف بلا ميتافيزيقيا ..!

- الشيخ كرَيٌم راجح: القرضاوي. العلامة الكبير والعَلَم الشهير والمفكر العبقري.

- أحمد الراشد: الظاهرة القرضاوية .

- الحسن الددو: القرضاوي الوارث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في وقتنا هذا.

- محمد عمارة: القرضاوي المدرسة الفكرية و المشروع الفكري.. القرضاوي فقيه الأمة.

- طارق السويدان: القرضاوي نجم العلماء و الدعاة.

- عبد الله بدوي: عالم عامل و من أئمة الفقه، وكتابه فقه الزكاة وحده تنوء به المجامع الفقهية و حباه الله بذاكرة واعية.

من أقواله:

لقد قدم الإمام القرضاوي الإسلام عرضا عادلا متزنا، وعرف بتعاليمه وفكره تعريفا جامعا سمحا في مؤلفاته وخطاباته وأقواله، بأسلوب علمي قوي، يمتاز بالدقة وعمق الفهم لروح الإسلام، وبالرصانة والجزالة في التعبير، ومن أقواله المشهورة التي سارت بها الركبان:

- لا صراع عندنا بين الوحي و العقل، أو بين الشريعة و الحكمة، أو بين الدين والعلم، فالدين عندنا علم، والعلم عندنا دين.

- إسلامنا يرفض:

"الجبرية" في العقيدة.

و "الشكلية" في العبادة.

و "السطحية" في التفكير.

و "الحرفية" في التفسبر.

و "الظاهرية" في الفقه.

و "المظهرية" في الحياة.

- وإسلامنا يقوم على:

عقيدة روحها التوحيد.

وعبادة روحها الإخلاص.

وأخلاق روحها الخير.

وشريعة روحها العدل.

ورابطة روحها الإخاء.

ويجسد ذلك كله حضارة روحها التوازن والتكامل.

ونجد مثل هذه الكلمات الرائعة والأقوال التي تدل على عمق فهمه للإسلام في مكتبه الثراء الغنية من مؤلفاته وكتبه..

 وكان الشيخ فقهيا مجتهدا، له اجتهادات فقهية معاصرة منها ما خالفه قسم من علماء العالم الإسلامي لكنه ترك بصمة فقهية واضحة في الأمة، وحقا رزق الإمام القرضاوي غزارة في العلم، والفكر، ونضارة في الأسلوب، وجزالة في التعبير، وقوة وفصاحة في البيان.

أخيرا نسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد الغالي بواسع مغفرته وسحائب رحمته، وجبر مصاب الأمة الإسلامية بفقد علمائها العاملين،  وعوضهم خيرا، فما اكثر ما تتوالى عليهم المصائب، وما أقل ما ينجبر منها .

وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير. وكفى به وليا ونصيرا.

.....

- المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 24-10-2022