نحو موسوعة للحديث الصحيح.. مشروع منهج مقترح

تحميل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة هذه الطبعة

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على معلم الناس الخيرِ، وهادي البشرية إلى الرشد، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد...

فلا زالت أمة الإسلام منذ عصر النبوة وعصر الصحابة فمن بعدهم إلى اليوم يهتمون بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمة مأمورة باتباع نبيهم، وطاعة رسولهم، باعتبار طاعته من طاعة الله، فهو لا ينطق عن الهوى، وإنما يتبع وحي ربه، الذي أنزل عليه الكتاب، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما.

قال تعالى: {قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْ} (النور: 54) ، وقال: {مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ} (النساء:80) ، وقال: {وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (الأعراف: 158) ، وقال: {وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ} (الحشر: 7) ، وقال: {فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63) .

وقد عني المسلمون بالسنة النبوية في عصرنا من نواح شتى، وبأساليب مختلفة، وكان من أهم مظاهر العناية: إنشاء مراكز بحوث لخدمة السنة، بإحياء تراثها ونشر دواوينها مخدومة محققة، وتأليف الكتب في بيان حجيتها، والكشف عما اشتملت عليه من أحكام وتوجيهات وقيم وآداب.

وكان من أهم ما هدفت إليه هذه المراكز: إصدار موسوعة عصرية تجمع الأحاديث القولية والفعلية والتقريرية في مدونة واحدة جامعة، مبوبة مصنفة على أساس الموضوعات، التي عرفتها جوامع السنة وسننها ومصنفاتها، قديما، مضافا إليها: ما اكتشفه عصرنا واستنبطه العقل المسلم المعاصر من كتب السنة من موضوعات وأبواب ومعان جديدة لم يعرفها علماؤنا السابقون.

وهناك اتجاهان لدى المشتغلين بالسنة وعلومها والعمل الموسوعي فيها:

الاتجاه الأول: أن تكون الموسوعة شاملة لجميع الأحاديث صحيحها وضعيفها، مقبولها ومردودها، بحيث تكون مرجعا مستوعبا للسنة كلها، وهذا ما اتجهت إليه الندوة التي عقدت في قطر، ودعا إليها مركز بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر، وكان شعارها: نحو موسوعة شاملة للحديث النبوي.

والاتجاه الآخر: أن تكون الموسوعة المنشودة للأحاديث الصحاح والحسان فقط؛ لأنها هي التي تلزم المسلمين بالاهتداء بها، والاستنباط منها، وما عداها لا يلزمنا في شيء.

كما أن الهدف من الموسوعة: أن توضع الأحاديث المقبولة بين يدي الباحثين وطلبة العلم، ليرجعوا إليها، سواء كانوا فقهاء، أم دعاة، أم مربين، أم باحثين في مختلف الموضوعات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية وغيرها.

وهذا الاتجاه هو الذي أرجحه وأتبناه شخصيا، وهو الذي تبناه مركز بحوث السنة والسيرة في قطر، الذي كلفت بتأسيسه، وشرفت بإدارته، منذ أنشئ مع مطالع القرن الخامس عشر الهجري، وأوائل الثمانينات في القرن العشرين، وهو أول المراكز التي أسست لخدمة السنة في عدد من الدول العربية.

وقد كنت كتبت رسالة مركزة - من نحو عشرين سنة - حول مشروع هذه الموسوعة، تضمنت منهجا مقترحا لإعدادها، وما يجب أن تتضمنه، والطريقة التي ينبغي أن تتم بها، والخطوات اللازمة لذلك، كما تضمنت استطلاعا للرأي يطلب من القراء الإجابة عن أسئلته. نشر مركز بحوث السنة هذه الرسالة ووزعها على نطاق واسع، كما نشرتها مجلة المركز الحولية، ونشرتها بعض المجلات العلمية، مثل: مجلة «المسلم المعاصر»، وغيرها.

وقد اطلع بعض الإخوة المهتمين على هذه الرسالة، فرأى أنها تتضمن أفكارا ومعلومات وتوجيهات يجب نشرها وتعميم النفع بها، لهذا رأيت أن أعدها للنشر، بعد إعادة النظر فيها تهذيبا وتنقيحا، وإضافة وحذفا، كما هو شأن كل عالم وباحث إذا نظر فيما كتبه من قبل.

أرجو أن يجد القراء في هذه الرسالة ما يلقي شعاعا من ضوء حول «الموسوعة الحديثية» المرتجاة.

والله يقول الحق ويهدي السبيل، والحمد لله أولا وآخرا.

القاهرة: ربيع الآخر 1423هـ                         الفقير إليه تعالى

يونيو 2002م                                          يوسف القرضاوي