لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر

تحميل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد.. 

فمن فضل الله تعالى على المسلمين أن سرت فيهم يقظة عامة، بعد جهاد طويل قام به مجددون أصلاء، ودعاة صادقون، ونهض به حركات وجماعات نذرت نفسها لخدمة الإسلام وتجلية خصائصه ورد الأمة إليه، وجمع كلمتها عليه.

ورغم ما أصاب هؤلاء الرجال وتلك الحركات من محن وشدائد، تقشعر من هولها الأبدان، شاء الله ألا تضيع جهودها سدى، وأن يرعى النبات الذي زرعته حتى يؤتي بعض أكله بإذن ربه، ومن ثمرات هذه الجهود والجهاد: التنادي القوي الجهير في كل مكان من عالم الإسلام بوجوب الرجعة إلى الشريعة الإسلامية، واتخاذها أساس الدستور والقوانين.

وفي مقدمة ما اتجهت إليه الأنظار تطهير الاقتصاد القائم من آثار الاستعمار التشريعي، والعمل على إيجاد اقتصاد إسلامي سليم، ويتمثل ذلك في أمرين أساسيين:

1- إقامة البنوك الإسلامية وتحرير الاقتصاد من رجس الربا، الذي لعن رسول الله آكله ومؤكله وكاتبه وشاهده.

2- فرض الزكاة؛ لإقامة التكافل، والإسهام في تحقيق العدل الاجتماعي وحل مشكلات المجتمع.

ولكن ثمة قضية ينبغي ألا نهرب منها، حين نتحدث عن الزكاة في الإسلام وأثرها في حل المشكلات الاجتماعية، وتقوية الجماعة الإسلامية.

هذه القضية هي: ارتياب بعض المعاصرين في نجاح الزكاة وتحقيق أهدافها الاجتماعية والإنسانية والإسلامية في هذا العصر، وذلك لعدة أسباب، أهمها:

1- توقف الاجتهاد اللازم للحكم فيما جد من أموال نامية لم تعرف في عصور المجتهدين، وينبغي أن تدخل في أوعية الزكاة.

2- غلبة العصبية المذهبية، وروح التقليد، على العلماء الذين يختارون عادة لتقنين أحكام الزكاة، بحيث يحكم المذهب السائد، لا المذهب الراجح في المسألة.

3- ضعف الضمير الديني والوعي الإسلامي لدى الفرد المسلم اليوم، إن تركنا الزكاة للأفراد، والخوف من التعقيد والإسراف والاضطراب، الذي يلازم الأجهزة الإدارية في كثير من بلادنا، إذا كانت الدولة هي التي ستجبي الزكاة وتصرفها.

وقد أثبتت التجربة في بعض البلاد التي تقوم حكوماتها على أمر الزكاة أنها لم تحقق ما كان مرجوًّا منها.

وفي ظني أن هذا الارتياب له ما يسوغه من الواقع إذا لم نواجهه بصراحة وحسم، وتوفير المناخ الإيجابي اللازم، لكي تحقق الزكاة أهدافها في هذا العصر، وخاصة إذا تولت شئونها مؤسسة أو إدارة مخولة من السلطة التشريعية، وهو ما لا بد منه اليوم؛ لضعف الوازع الفردي، وغلبة حب الدنيا على الناس.

ومن هنا يجب أن نعلن أن نجاح «مؤسسة الزكاة» في تحقيق أهدافها وآثارها في حياة المجتمع المسلم -من مطاردة الفقر والعوز، وإقامة ضمان اجتماعي شامل، وتأمين ذوي الحاجات الطارئة، وتطهير الجماعة من أسباب التحاسد والتباغض، وإعانة الأخيار على إصلاح ذات البين، وتعزيز الدعوة إلى الإسلام، وتثبيت عقيدته، وتأليف القلوب عليه وغير ذلك مما تحققه الزكاة لدين الإسلام ودولته وأهله- هذا النجاح مرهون بحسن فهمنا للزكاة، وحسن تطبيقنا لها.

وبعبارة أخرى: إن الزكاة لا تؤتي أكلها، ولا يجتني ثمرها، إلا بشروط يجب توافرها، وبإهمال هذه الشروط أرى أن إصدار أي قانون للزكاة لا يحقق ما ينشده المخلصون من ورائه.

الفقير إلى عفو ربه

يوسف القرضاوي