التطرف العلماني في مواجهة الإسلام

تحميل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم  

الحمد لله وكفى، وسلام على رسله الذين اصطفى، وعلى خاتمهم المجتبى، وعلى آله وصحبه مصابيح الدجى، ومن بهم اقتدى فاهتدى.

أما بعد:

فأعتقد أن أشرس معارك الإسلام الفكرية اليوم، هي: معركته مع العلمانية والعلمانيين، سواء أكانت هذه العلمانية من «النوع الليبرالي» المحايد مع الدين، فلا يواليه ولا يعاديه، لا يقبله ولا يرفضه، أم كانت العلمانية من النوع المعاند للدين، الذي يقف منه موقف الرفض والعداء، كما هو شأن العلمانية الماركسية التي شاع في أدبياتها أن الدين - كل الدين - أفيون الشعوب.

وقريب منها بعض العلمانيات في بلادنا العربية والإسلامية، التي تتخذ موقف العداء للإسلام بصفته شريعة ومنهاج حياة للفرد وللجماعة وللأمة. وهي لا تقبل من الدين إلا الجانب الفردي الروحي الذي لا يمسها، ولا يأمرها بمعروف، أو ينهاها عن منكر، بله أن يقاومها، أو يحرض عليها.

لهذا، كان لزامًا على رجال الفقه والعلم الشرعي: أن ينظروا موقف في الإسلام من «العلمنة» المكثفة والمنظمة، التي تتعرض لها مجتمعاتهم المسلمة، والتي مكنت العلمانيين في غفلة من الزمن أن يقبضوا على أزمَّة الحياة في كثير من أقطارنا العربية والإسلامية وأن، يعملوا جاهدين على علمنة التشريع والقضاء، وعلمنة التربية والتعليم، وعلمنة الثقافة والإعلام، وعلمنة التقاليد والأخلاق.

وزاد الطين بلة: ما نادى به بعضهم - وطبقه بالفعل - من خطة «تجفيف المنابع»، يعنون بها تجفيف منابع التدين الإيجابي للأفراد والمجتمعات، في كل مصادر التوجيه والتثقيف، وفي كل ما يقرأ أو يسمع أو يرى: في المدرسة والجامعة، وفي الكتاب والصحيفة، وفي الإذاعة والتلفاز، وفي جميع أجهزة التربية والثقافة والإعلام.

ومن هنا أنوه بدعوة الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي للكتابة في هذا الموضوع الحي، وقد كنت تناولته بصورة أو أخرى في عدد من كتبي، منها: «الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا؟»، ومنها: «بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين»، ومنها: «الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه» وهو رد علمي على جماعة من العلمانيين في مصر.

ولا غرو أن أقتبس هنا بعض ما كتبته هناك.

وها هي ذي الصحائف تضيف لمسات جديدة إلى هذا الموضوع الذي لم يزل يتجدد، ويتطلب منا التصدي للتحدي العلماني، المؤيد من القوى المعادية للإسلام وأمته، من الخائفين من الإسلام، أو الطامعين فيه، أو الحاقدين عليه والكارهين له، فهؤلاء يقفون وراء العلمانيين في ديارنا: يسندون ظهورهم، ويشدون أزرهم ويمدونهم بالوقود كلما خبت شعلتهم.

ومع هذا، ستظل كلمة الإسلام هي العليا، وستظل راية الدعوة إليه مرفوعة، وستظل الشعوب الإسلامية بفطرتها مع الإسلام، حتى يُحق الله الحق، ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.

يوسف القرضاوي

الدوحة 9 من رجب سنة 1419هـ

29/10/1998م