شيخ شريف

الدوحة في: 6 صفر 1430هـ

1 فبراير 2009م

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

(أما بعد)

فقد تابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الأوضاع في الصومال الشقيق منذ بداية الغزو الأثيوبي الظالم لهذا البلد العربي المسلم الذي لم يشهد الاستقرار ولا الأمن منذ بداية تسعينيات القرن الماضي عندما سقط النظام الدكتاتوري الذي حكم البلاد بالبطش والجبروت. وكما هي العادة بعد سقوط كل نظام مستبد متجبر، دخلت البلاد في حالة من الفوضى والانقسام والصراع المسلح، وساد عهد تجار الحرب، وأطلت العصبيات القبلية الجاهلية برأسها، وسفكت الدماء، وخرّبت البلاد، ومزقت شر ممزق، وأوصلت هذه الحروب الأهلية الطاحنة البلاد الصومالية إلى حالة من التردي والتدهور والفساد، أطمع فيها جارتها الكبرى المتربصة بها، وهي اثيوبيا التي انتهزت الفرصة، وقامت بغزو الصومال واحتلاله بدعم من أمريكا، بحجة مكافحة الإرهاب!

ولقد تحرك أبناء الصومال – في فترة الصراع الجاهلي المحزن – بقيادة اتحاد المحاكم الإسلامية فأذعن لها الشعب، وسلمت لها المدن قيادها بسهولة، ووصلوا إلى (مقديشو) وسيطروا عليها، فساد فيها العدل والأمان والطمأنينة بين الناس لعدة أشهر، ثم مالبثت اثيوبيا أن تحركت مرة أخرى لتحتل البلاد، وتقهر العباد.

لقد كان احتلال القوات الأثيوبية مدعومة بالضوء الأخضر الأمريكي، والعتاد العسكري للأراضي الصومالية، وإسقاطها لنظام المحاكم الإسلامية، هو نقطة نهاية مرحلة وبداية أخرى، نهاية الحرب الأهلية التي عاشها الصومال لما يزيد عن 15 سنة، وبداية حرب التحرير التي سرعان ما انطلقت من قبل قوات المحاكم الإسلامية وغيرها، حيث التف عدد من السياسيين والقادة العسكريين الصوماليين السابقين مع المحاكم الإسلامية ليكونوا إطارا جامعا رافعا لواء تحرير الصومال من الاحتلال الأثيوبي أطلق عليه اسم (تحالف اعادة تحرير الصومال).

واليوم والحمد لله رب العالمين بدأت تباشير الخير والوحدة، حيث انتخب البرلمان الصومالي الشيخ شريف رئيسا للدولة. وهو أحق بها وأهلها. وقد قوبل انتخابه بارتياح عام، محلي وعربي وإسلامي، لما عرف به من اتزان وحكمة وإخلاص.

وأمام هذه الأوضاع والتطورات فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى ما يلي:

أولا: يهنئ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشعب الصومالي برئيسه الجديد المنتخب، الأخ المجاهد الشيخ شريف شيخ أحمد الذي عرفناه بهدوء نفسه، وعمق تفكيره، وحسن خلقه، وإخلاصه لدينه ولأمته. كما نهنئه بالانتصار على قوات الاحتلال ودحرها من أرض الصومال، داعين الله العلي القدير أن يوفقه في مهمته، ويسدد خطاه في النهوض بوطنه، ويهيئ له الأعوان الصالحين.

ثانيا: يدعو الاتحاد بقوة إلى وقوف الشعب الصومالي بكل فصائله وجماعاته خلف رئيسه المنتخب، استجابة لأمر الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران:103] وقوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59] وقوله: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" رواه البخاري ومسلم.

ونناشد الجميع أن يتحرروا من العصبيات القبلية والحزبية التي فرقتهم، وأن يقفوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وأن ينسوا الماضي بجراحاته ومآسيه، ويتطلعوا إلى مستقبل أفضل، يتظاهرون على إقامته متكاتفين في ظل الإسلام، وتحت راية القرآن.

ثالثا: ندعو شباب المجاهدين خاصة، كما ندعو الأخ المجاهد الشيخ حسن ظاهر أويس رئيس (تحالف إعادة تحرير الصومال) جناح أسمرا إلى التعاون مع العهد الجديد، ومباركة انتخاب أخيه ورفيق دربه الشيخ شريف شيخ أحمد على رأس الدولة، والتعاون معه على البر والتقوى وتوطيد الأمن والسلام في البلاد، وتجنيبها مغبة أية حرب أهلية أخرى، ليس وراءها إلا القتل والدمار، وطرح كل النقاط الخلافية للحوار والنقاش.

رابعا: وبهذه المناسبة فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يعبر عن استعداده لرعاية أي حوار أخوي وجدي بين الشيخ شريف والفصائل المعارضة في أقرب وقت ممكن وفي أي مكان يختارونه، واستعداده لإرسال وفد رفيع المستوى من المكتب التنفيذي ومجلس الأمناء للقيام بهذا الواجب.

خامسا: يدعو الاتحاد جميع الدول العربية والإسلامية، وكذلك جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى وقوفهم وقفة جدية لمساندة هذا البلد وهذه القيادة الجديدة، وإمدادها بكل ما من شأنه أن يدعم استقرارها واستقرار هذا البلد ويساعدها على بناء مجتمع عربي إسلامي معاصر، يأخذ بأسباب التقدم والازدهار والبناء الحضاري، ويتفرغ للإصلاح والإعمار والتنمية المادية والبشرية، وتجنيد كل القوى لبناء البلد على أساس مكين، مراعيا قيم الإسلام وروح العصر. ويكفي هذا الشعب ما عانى من ويلات الصراع الداخلي والكيد الخارجي.

نسأل الله أن يجعل يوم الصومال خيرا من أمسه، وغده خيرا من يومه، ويجمع كلمة أبنائه على الحق والخير.

والحمد لله رب العالمين

يوسف القرضاوي

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين