10محرم 1431هـ 

27سبتمبر 2009م

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه، وبعد:

إن بناء الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر هذه الأيام على الحدود بينها وبين غزَّة، عمل محرَّم شرعا؛ لأن المقصود به سدُّ كلِّ المنافذ على غزَّة، للزيادة في حصارهم وتجويعهم وإذلالهم والضغط عليهم، حتى يركعوا ويستسلموا لما تريده إسرائيل.

وحين أذيع هذا الخبر أول الأمر أنكرتُ أن يكون صحيحا، وقلتُ: هذا خبر يُراد به الوقيعة بين مصر وأهل فلسطين، وأنكرتْ مصر في أول الأمر ذلك. ثم فجعنا - ولا حول ولا قوة إلا بالله - بأن الخبر صحيح.

صحيح أن مصر حرَّة لها حقُّ السيادة على بلدها، ولكنها ليست حرَّة في المساعدة على قتل قومها وإخوانها وجيرانها من الفلسطنيين، لا يجوز لها هذا عربيًّا بحكم القومية العربية، ولا يجوز لها هذا إسلاميًّا بمقتضي الأخوَّة الإسلامية، ولا يجوز لها هذا إنسانيا بموجب الأخوَّة الإنسانية.

إن القرآن الكريم يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات:10]، والرسول عليه السلام يقول: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله". معنى لا يسلمه، أي: لا يتخلَّى عنه، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". ولم يقُل: حاصر أخاك، جوِّع أخاك، اضغط على أخيك لحساب عدوِّك.

إن واجبا على مصر أن تفتح معبر رفح لأهل غزَّة، فهو الرئة التي يتنفَّسون منها، هذا واجب عليها شرعا، وواجب عليها قانونا، لا أن تخنق أهل غزَّة وتشارك في قتلهم.

وإنما لجأ أهل غزة إلى هذه الأنفاق ليستطيعوا منها أن يجدوا بعض البديل عن المعبر، المغلق في معظم الأيام، حتى أمام قوافل الإغاثة الإنسانية، فإذا مُنعوا من هذه الأنفاق، فمعنى هذا أن مصر تقول لهم: موتوا، ولتحيَ إسرائيل.

إني لم أقابل مصريًّا حرًّا إلا وهو ساخط على الجدار الحديدي، وما قابلتُ عربيًّا ولا مسلما ولا إنسانا شريفا في شرق أو غرب إلا ينكر إقامة هذا الجدار الذي لا نظير له إلا جدار إسرائيل العازل.

إن إسرائيل تُقيم جدارا عازلا لخنق الفلسطنيين، ومصر تُقيم جدارا آخر، هو في النهاية يصبُّ في صالح الإسرائليين!

أرجو من كلِّ أصدقاء مصر أن يضغطوا عليها لتتراجع عن هذه الجريمة التي لا مبرر لها، وأرجو من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي الإسلامي أن يتدخَّلوا لوقف هذه المأساة.

كما أرجو من مصر التي خاضت حروبا أربعة من أجل فلسطين، ألا تقوم بعمل هو ضدَّ الفلسطينيين مائة في المائة، وهو لحساب الإسرائليين المتربِّصين مائة في المائة، وأن تتقي الله في إخوانها المظلومين المحاصرين، ولتخشَ من حرارة دعوات المظلومين المنكوبين، فإن دعوتهم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: "وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين".

وإنا لنستعين على كل ظالم وجبار بسهام القدر، ودعاء السحر، وكل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبَرَّه.

ربنا إننا مغلوبون فانتصر، مظلومون فانتقم، متضرِّعون فاستجب، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.

يوسف القرضاوي

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين