18 ربيع الأول 1432هـ

21 فبراير 2011م

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(وبعد)

يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ببالغ القلق ما يحدث في ليبيا من استعمال الرصاص الحي وأدوات القتل، ضد المتظاهرين، وتُوجَّه إلى صدورهم العارية، حيث نتج عنها استشهاد المئات، وجرح الآلاف من المسالمين العزَّل.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئيسه، ومجلس أمنائه، وأمانته العامة، وأعضائه يرى ما يأتي:

1 - يؤيِّد الاتحاد العالمي مطالب الشعب الليبي، ويقف معها، مندِّدًا بالأعمال الإجرامية التي وُجِّهت ضدَّ المتظاهرين، عن طريق المرتزقة وبعض رجال النظام الليبي والتي نتج عنها سقوط مئات الشهداء، وآلاف الجرحى.

2 - يترحم الاتحاد على المواطنين الذين سقطوا وهم يدافعون عن حقوقهم، ويعتبرهم شهداء بإذن الله تعالى، ويقدم خالص العزاء لأهليهم وذويهم، ويسأل الله أن يلهمهم الصبر، وأن يجزل لهم الأجر، وأن يشفي الجرحى.

3 - يحذِّر الاتحاد أشدَّ التحذير من إراقة الدماء البريئة، دون أيِّ اعتبار لحُرمتها وخطورتها، مذكِّرًا المجرمين بالعواقب التي بيَّنها الله تعالى، لهؤلاء المجرمين، وسجَّلها التاريخ الإنساني، فقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]، وقال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فُسحة من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا" رواه البخاري. وقال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمَن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حلِّه" رواه البخاري. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" رواه مسلم. وقد بيَّن الله تعالى أن مصير الظلمة والقتلة إلى الهلكة والزوال، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:6-14]، وإن التاريخ الإنساني شاهد على أن الظلم وإن كانت له صولات، ولكنها إلى الزوال والهلاك وأنه ما للظالمين من نصير.

4 - يدعو الاتحاد الجيش الليبي وقوَّات الأمن الشرفاء إلى وقف هذه المظالم، وحقن إراقة الدماء، وإلى حماية الشعب من الظلم والطغيان، فهم من الشعب ولأمن الشعب، وإن من حقِّ الشعب عليهم حمايتهم من الظلم والاعتداء.

5 - يدعو الاتحاد النظام الليبي إلى أن يتَّقي الله تعالى في هذا الشعب الذي يحكمه منذ أكثر من أربعة عقود، ويترك لهم المجال لاختيار من يحكمهم، ويسوس أمورهم، كما يدعو الاتحاد إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.

6 - يدعو الاتحاد الجماهير المحتجَّة إلى الصبر والثبات على المبادئ، والحفاظ على سلميَّة التظاهر، وعلى الأموال العامة والخاصة، والابتعاد كليًّا عن إراقة الدماء البريئة، وأن يُظهروا للعالم القيم الإسلامية والحضارية، كما كان عليها إخوانهم بمصر، وأن يكونوا على يقين بأن الله معهم وينصرهم ما داموا مع الله تعالى، {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160].

7 - يدعو الاتحاد الدول العربية والإسلامية، ودول العالم الحر، ومؤسَّسات المجتمع المدني، وجميع الشرفاء بالعالم للوقوف مع حقِّ الشعب الليبي في التظاهر السلمي، والمطالبة بحقوقه، وإلى حمايته بكلِّ الوسائل المشروعة، فما يُرى من استعمال العنف المفرط والأسلحة ضد هؤلاء المتظاهرين المسالمين متناقض مع كلِّ القيم السماوية، والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية، بل هو داخل في جرائم الحرب المحظورة.

8 - يدعو الاتحاد الشعب الليبي إلى الوحدة الوطنية الجامعة، والاعتصام بحبل الله المتين ويحذِّر أشد التحذير من أيِّ دعوة قبلية، أو حزبية، تفرِّق ولا تجمِّع، وتؤثِّر في لُحمة الشعب وسُداه، حتى يُفوِّت ما يُخوِّف البعض به من حرب أهلية وقبلية.

والله نسأل أن يحفظ الشعب الليبي من جميع الفتن، ويحقِّق لهم ما يريدونه من خير وصلاح.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الأمين العام                                                              رئيس الاتحاد

أ.د. علي القره داغي                                                     أ.د. يوسف القرضاوي