أصحاب الفضيلة العلماء خلال الاجتماع

برئاسة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وحضور عدد من العلماء اختتم مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالدوحة أمس أعمال اجتماعه الثالث في دورته الثالثة الذي ناقش خلاله عدة تقارير عن انجازات الاتحاد خلال السنة الماضية.

وبعد أن استعرض مجلس أمناء الاتحاد خطط عمله وبرنامجه خلال السنة الهجرية الجديدة التي أطلق عليها سنة صلاح الدين الأيوبي بمناسبة مرور 900 سنة على مولده، أصدر بيانا ختاميا تضمن العديد من التوصيات التي تناولت مختلف الشؤون الإسلامية على مستوى العالم.

وفي كلمة افتتاحية أكد فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي المبادئ الراسخة التي يقوم عليها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وموقفه الثابت في دعم نضال الشعوب لنيل حريتها والعيش بكرامة، مشيدا بالدور الذي تلعبه دولة قطر في مساندة الشعوب الثائرة.

ومن جانبه استعرض الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد، التوصيات التي خرج بها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في ختام اجتماعه الذي شارك فيه ثلاثون عضوا، عالجوا فيه العديد من القضايا الإدارية والهيكلية، وناقشوا عددا من قضايا ومشاكل العالم الاسلامي.

وقال د. القره داغي - وفق صحيفة الشرق القطرية - إن المشاركين في الاجتماع بدأوا بمناقشة جدول اعمالهم وبعد المناقشة والتحاور أصدروا عدداً من القرارات والتوصيات، وختموا اجتماعهم بإصدار بيان تناول الشأن الإسلامي على النحو الآتي:

أولا: ثورات الربيع العربي

ينتهز الاتحاد هذه الفرصة ليقدم تهانيه للأمة الاسلامية بصورة عامة والدول التي نجحت فيها هذه الثورات بصورة خاصة على ما تحقق من نجاح هذه الثورات في القضاء على الظلم والاستبداد، ونحو بناء دولة العدل والمساواة والتنمية، كما يتقدم الاتحاد الى أهالي الشهداء والجرحى بالدعاء بأن يتقبل الله شهداءهم وتضحياتهم وأن يَشفي الجرحى والمرضى، وأن يلهمهم الصبر والاحتساب كما يدعو الله أن يوفق أصحاب السلطة الجدد في رعايتهم والاهتمام بأوضاعهم، ومد يد العون لهم لما تستحقونه من الشكر والعرفان.

ورسالة الاتحاد إلى الشعوب التي وقفت في وجه الطواغيت والثوار الذين أيقظوا الأمة من سُباتها منهم من قَضَى نحبه ومنهم من ينتظر هي: اعلموا أن التغيير والنصر من عند الله وهو وحده المستحق للحمد والثناء "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" أخلصوا نياتِكم ووحدوا صفوفَكم لخدمة دِينكم وأمتكم، ورسالتنا الى الذين يتهيأون للمناصب القيادية في تلك البلدان أن تتقوا الله وألا يغرنكم بريق السلطة والمناصب الزائلة "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا"، اقبلوا حقيقة التعددية التي هي من سنن الله ونواميسه في هذا الكون ومنها المجتمعات الانسانية فلو شاء الله لجعلكم أمة واحدة (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا)، وقد أمرنا الله تعالى بالبر والقسط مع كل من لم يقاتلنا في الدين ولم يخرجنا من ديارنا، فما بالكم بأبناء الوطن الواحد من أهل الأديان والأطياف السياسية الأخرى الذين هم إخوان لكم في الإنسانية وشركاء لكم في الوطن لهم ما لكم وعليهم ما عليكم واعلموا أن السلطة والمناصب ابتلاء من الله لينظر كيف تعملون وأن الابتلاء بالخير والنعيم قد يكون أشد من الابتلاء بالنقص في الأموال والأنفس والثمرات، تأملوا سنن الله في الكون ومنها سنة التدرج في اصلاح ما فسد من أمور بلادكم عبر أحقاب طويلة من الظلم والاستبداد واثارة النعرات والعصبيات القومية والقبلية والطائفية، ومنها كذلك سنة الأولويات وعدم الاشتغال بالفروع دون الأصول وبالمهم دون الأهم ومن الأهم الوحدة الوطنية في كل قطر والتعاون بين الأقطار لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والروحية وفقكم الله جميعا وسدد خطاكم وهداكم وايانا سبل الرشاد.

ويود الاتحاد ارسال الرسائل التالية بخصوص الاقطار التي نجحت فيها الثورات والتي لا تزال في الطريق باذن الله:

في الشأن التونسي:

يبارك الاتحاد للشعب التونسي نجاحه في التجربة الانتخابية النزيهة التي أدت الى تشكيل المؤسسات التي قامت على الشورى والديمقراطية من رئاسة البرلمان والدولة، والحكومة، والتوافق الوطني كما نجح في امتحان الثورة، ويَحُثُّ حكامه الجدد بصورة عامة والحركةَ الاسلامية منهم خاصة على أن يسيروا في شعبهم سيرة العدل والمساواة، وأن يرعوا حقوق الانسان حق الرعاية، وأن يعملوا جاهدين على تحقيق التنمية الشاملة التي تحقق للشعب الكرامة والعزة، وتنقله الى موقع الاسهام في البناء الحضاري، مفسحين في ذلك المجال لكل القوى أن يكون لها إسهام في البناء دون إقصاء على أساس من الاختلاف الفكري والسياسي أو الجهوي لتتم الوحدة الوطنية التي هي أساس النجاح، ولتكون تلك الوحدة منطلقا للتعاون الفاعل مع كل الشعوب والدول العربية والاسلامية والرحمة بالمستضعفين في الأرض.

في الشأن المصري:

يؤكد الاتحاد ضرورة التحول السلمي والعاجل للسلطة الى ممثلي الشعب المنتخبين بكامل صلاحياتها دون وصاية عليهم واحترام ارادة الشعب، كما يشيد باقبال الشعب المصري على التصويت في الانتخابات الأخيرة كما يشيد بكل الجهود التي بذلت وتبذل لضمان شفافية هذه الانتخابات ونزاهتها ويأمل الاتحاد أن يستمر ذلك في كل المراحل القادمة للانتخابات.

وينتهز الاتحاد الفرصة ليقدم تهانيه للشعب المصري بنجاح انتخابه للمرحلة الاولى ويهنئ الثائرين على فوزهم ويدعو لهم بالتوفيق والسداد.

ويؤكد الاتحاد ضرورة التعايش السلمي وحسن الجوار بين المسلمين بكافة توجهاتهم الاسلامية والسياسية وشركائهم في الوطن من الأقباط وتجنيب واخماد أي محاولة لاشعال الفتن الطائفية أو العرقية بين أبناء الوطن الواحد.

كما يحث الاتحاد الاسلاميين خصوصا على التزام المنهج الوسطي والتركيز على كبرى القضايا المتعلقة بهموم المواطنين بدلا من الانتشغال بالقضايا الجزئية والشكلية ويكرر الاتحاد مطالبته بوقف كل أعمال العنف ضد أي تظاهرة سلمية والتحقيق في أي تجاوز ومعاقبة المتجاوزين في اطار القانون.

في الشأن الليبي:

ويدعو الاتحاد الشعب الليبي للتحلي بالصبر واعطاء الفرصة الكافية للحكومة الانتقالية حتى تقوم بمهامها الى حين انعقاد المجلس الوطني كما يدعوهم الى دعم كل المشاريع التي ترسخ المصالحة الوطنية وتقديم العفو والصفح والمسامحة وكل ما من شأنه أن يساهم في الاستقرار والسلم الاجتماعي والوفاق الوطني

كما ان الاتحاد يثمن دور الثوار في كافة الجبهات في جهادهم وتضحياتهم، وحسن امانتهم، ويدعو الله ان يتقبل منهم جهدهم وجهادهم ويدعوهم الى التعاون مع مؤسسات الدولة لإنجاح الانتقال السلمي من حالة الثورة الى حالة الدولة مع التأكيد على كل ما صدر من فتاوى المجلس الاعلى للافتاء من حرمة بيع السلاح والمتاجرة به بصفة غير رسمية، مع حث الثوار على تسليم ما بقي لديهم من السلاح الى السلطات المختصة.

كما يوصي الاتحاد الحكومة الانتقالية بتحمل المسؤولية واداء الامانة وبسط العدل بين الناس واعتماد الشفافية والوضوح في ارساء مبادئ المشاركة الحقيقية لكل فئات المجتمع.

في الشأن اليمني:

يدعو الاتحاد الى وقف قتل المدنيين من الرجال والنساء والاطفال كما يطالب بأحقية هؤلاء الثوار في مواصلة التظاهر والاعتصام السلمي دون ان يمس هذا من إمكانية مواصلة المعارضة اليمنية في تنفيذ وتنزيل بنود المبادرة الخليجية وبخاصة ما تعلق منها، وبتشكيل حكومة وحدة وطنية والاسراع بإصلاح المؤسسة الأمنية والعسكرية والعمل بكل جدية لرفع المعاناة على الشعب اليمني الذي يعاني الفقر والخصاصة والحرمان منذ أمد طويل.

كما يدعو الاتحاد كل الجمعيات والمنظمات الخيرية الى مساندة هذا الشعب وخاصة شريحة الجرحي الذين سقطوا نتيجة القتل العشوائي التي قامت بها قوات النظام.

في الشأن المغربي:

يهنئ الاتحاد الشعب المغربي بنجاحه في التجربة الاصلاحية والانتخابات التي جرت بنزاهة وشفافية، ويتمنى للشعب المغربي وملكه وحكومته مزيدا من الازدهار والتقدم كما يطالب حزب العدالة والتنمية الفائز بهذه الانتخابات ان يحقق النموذج الحقيقي للعدل والمساواة، وتحقيق التنمية الشاملة.

في الشأن السوري:

يحيي الاتحاد الشعب السوري البطل وثورته المستمرة ضد نظام الظلم والاستبداد سلمياً ويدعوه الى المحافظة على هذا النهج السلمي للثورة

كما يحيي الاتحاد الجامعة العربية بإتخاذها عددا من القرارات ضد النظام الحاكم في سوريا ويعتبرها خطوة ايجابية وشجاعة تحسب للجامعة العربية باعتبارها انحيازا واضحا منها الى صف الشعوب المظلومة.

كما يؤكد الاتحاد ما جاء في بيانه السابق في تأييد المجلس الوطني السوري، ويدعو الشعوب العربية والاسلامية وأحرار العالم بالوقوف مع الشعب السوري في ثورته السلمية، وينتهز الاتحاد الفرصة لتقديم الشكر لتركيا حكومة وشعباً.

كما يطالب الاتحاد الحكومة اللبنانية بالوقوف الى جانب الشعب السوري.

في الشأن الفلسطيني:

يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقلق بالغ ما يحدث على أرض فلسطين المباركة كلها من المسجد الأقصى، والقدس الشريف، إلى الضفة وغزة، وبخاصة محاولات الصهاينة بكل الوسائل التي تستهدف المسجد الأقصى ويحذر الاتحاد الصهاينة أشد التحذير من الإقدام على هذه الخطوة الخطيرة (محاولة هدم الأقصى) التي تزيد المنطقة اشتعالا وناراً. فالأقصى هو أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنها مقدسة لدى إخواننا المسيحيين أيضاً.

وإن رصيدنا في هذا التحذير الشديد هو العمق الإسلامي والعربي المتجذر في وجدان المسلمين نحو مقدساتنا المباركة، بالإضافة إلى أن الثورات العربية قد مهدت الأجواء لوحدة الأمة الإسلامية إن شاء الله تعالى.

ويدعو الاتحاد قادة الامة العربية والاسلامية الى تحمل مسؤولياتهم ودعم المقاومة بكل الامكانيات المتاحة، واعتبارها الخيار الوحيد لانهاء الاحتلال وحماية المقدسات وسحب المبادرة العربية للسلام مع العدو الصهيوني ووقف كل معاهدات السلام وطرد السفراء الصهاينة في البلاد التي لا يزالون موجودين بها كما يشدد الاتحاد على القيادة المصرية أن تفتح معبر رفح بشكل متواصل للأفراد والبضائع وعدم اغلاقه تحت أي ذريعة وبهذه المناسبة يحي الاتحاد السلطات المصرية على دورها الايجابي في الجمع بين الاخوة في فتح وحماس ووضع حد لحالة الانقسام الفلسطيني.

في الشأن العراقي:

يتابع الاتحاد بقلق بالغ تردي الاوضاع الامنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في دار السلام بلد الحضارة العراق بالاضافة الى ما وقع فيه من مجازر بشرية شارك فيها المحتلون ومن عاونهم واليوم يتابع الاتحاد ما يسمى بالانسحاب الأمريكي من العراق وأمام هذه الاحداث والمجريات يدعو الاتحاد العراقيين بجميع مكوناتهم وأطيافهم السياسية الى وحدة الصف العراقي والحفاظ على وحدة الوطن وعدم الانسياق وراء دعوات التقسيم والفرقة والنزاع

كما يدعو الاتحاد العراقيين جميعا لعدم السماح لدول الجوار بالتدخل والاحلال محل المحتل الامريكي وبهذه المناسبة يطالب الاتحاد الدول العربية والاسلامية مساعدة الشعب العراقي للحفاظ على هويته وكيانه.

في الشأن البنغلاديشي:

يؤكد الاتحاد ما جاء في بيانه السابق من المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، وإطلاق الحريات العامة ويندد بالاجراءات التعسفية ضد المعتقلين.

في الشأن الصومالي:

يؤكد الاتحاد بياناته السابقة التي دعا فيها الى تحقيق المصالحة الشاملة ونبذ العنف والعناية بالشعب الصومالي واغاثته وتنميته.

في الإصلاح العام:

إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى أن من مهماته الجليلة تصحيح الانحرافات الفكرية والسلوكية في العالم الإسلامي، وبذل الجهود الممكنة بكل الوسائل المتاحة في نشر الوسطية والاعتدال والوعي الرشيد والفهم السليم للشريعة، والالتزام بمحكماتها وقواطعها، وجمع المسلمين عليها حكاما ومحكومين، رجالا ونساء، والتذكير بطاعة الله ورسوله في الشأن الفردي والجماعي والشعبي والحكومي، ودعوة المسلمين كافة إلى الالتزام بالعبادات التي هي مصدر سعادة وفوز، وبالأخلاق الكريمة التي تحفظ وحدة المجتمعات، وتمنحا الروح الإيجابية، وتجعلها في مقام الأسوة والقدوة الكفيلة باستنهاض روح الامة حضاريا وبمقاومة الضعف والهزيمة الداخلية للوصول الى التغيير المطلوب في الأنفس والسلوك (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

في الدعوة إلى المصالحة الشاملة:

يدعو الاتحاد مجدداً إلى إحياء المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمة كافة، الحكومية والشعبية، العلماء والدعاة، الهيئات والمنظمات والحركات والشعوب والقوميات، على أساس من كفالة الحقوق، وتعزيز مناخ الحريات، وتوسيع قاعدة المشاركة، والتزام النهج السلمي قولاً وعملاً، وإرساء قواعد العدالة، وتنفيذ أحكام القضاء المستقل تنفيذاً فورياً، وتأكيد سيادة القانون واستقلال القضاء، وإلغاء قوانين الطوارئ، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين ظلماً، وتيسير عودة المواطنين المهجرين، وتأكيد دور العلماء في إصلاح الأمة والدعوة إلى الله والالتزام بثوابت الأمة الدينية والوطنية، والدفاع عنها تعزيزاً لدورها، وقطعاً للطريق على المتربصين بها الدوائر.

ويرحب الاتحاد بالجهود الدائبة التي تبذل في بعض الأقطار العربية والاسلامية لتحقيق المصالحة بين جميع الفئات العاملة لخدمة الفكرة الإسلامية ولا سيما أولئك الذين انتهجوا سبيل العنف والتغيير بالقوة عدداً من السنين، ثمّ فاؤوا إلى كلمة الحقّ، وعادوا إلى نهج الوسطية الإسلامية الذي يتبناه الاتحاد ويدعو إليه. ويؤكد الاتحاد في هذا السياق ضرورة الإسراع في الإفراج عن سائر المعتقلين السياسيين، في جميع دول العالم الإسلامي، واستيعاب الجميع في الحياة العملية، وفي النشاط الدعوي السلمي، استثماراً لطاقتهم، واستفادة من تجربتهم في الحيلولة بين الشباب المسلم وبين الوقوع في براثن دعاة الغلو والعنف والتكفير.

وأخيراً يعلن الاتحاد عن مواصلة عزمه على ترشيد الأمة وتصحيح مفاهيمها ودفعها إلى النهضة الحضارية المنشودة وذلك باتخاذ جملة من القرارات المتعلقة باستمرار في تنظيم المؤتمرات العلمية والدورات التدريبية وطباعة المنشورات الفكرية والثقافية التي من شأنها أن تؤصل كافة القضايا المطروحة على الساحة الاسلامية وأن تنزلها على الواقع المعاصر وفقاً للأصول المعتبرة وفق خطته الاستراتيجية.

وفي الختام ينتهز الاتحاد الفرصة لتقديم أجزل الشكر وأخلص الدعاء لقطر شعباً وأميرا وحكومة، وبخاصة للأمير المفدى على رعايته الكريمة وعلى مواقفه ومواقف حكومته المشرفة في كافة المجالات السياسية والانسانية.