حسمت فتاوي اليوم تردد بعض الناس في إخراج زكاة الفطر مؤخرين إخراجها حتى الساعات القليلة قبل صلاة العيد، أو الإصرار على إخراجها شعيراً أو قمحاً مما يجعل مهمة توزيع الزكاة أمراً صعباً، فقد رأى د. يوسف القرضاوي فقيه الزكاة المبرز أن إخراج زكاة الفطر من أول شهر رمصان أمر جائز، مقدماً استدلاله الفقهي وبواعث اجتهاده الذي يؤثر كثيراً في قدرة القائمين على توصيل الزكاة إلى مستحقيها مبكراً، فيما أفتي فضيلته بأن إخراج زكاة الفطر نقداً، إذا كانت أنفع للفقير المستحق؛ فهي أفضل مما يصر عليه بعض الناس إلى اليوم على إخراجها شعيراً أو قمحاً.

كان السؤال الأول:

يتأخر بعض الناس في إخراج زكاة الفطر إلى ما قبل صلاة العيد.. مما يؤخر عمل صندوق الزكاة في إيصال الزكاة إلى مستحقيها.. هل يجوز إخراج زكاة الفطر مبكراً؟

يجيب فضيلة الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي قائلاً:

روي الشيخان وغيرهما عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة (يريد صلاة العيد) ذلك أن المجتمع كان صغيراً ومحدودا والفقراء فيه معروفون وبيوتهم متقاربة فيستطيعون إيصال زكاة الفطر إليهم في هذا الوقت بيسر وسهولة، إذ يستطيع الرجل أن يوصل للفقراء من أقاربه أو جيرانه ما أراد.

لكن في عصر الصحابة رأينا ابن عمر يقول: كانوا يعطونها (أي كان الصحابة) قبل الفطر بيوم أويومين.. ذلك أن المجتمع اتسع عما كان في عهد النبوة فاقتضي ذلك أن يوسعوا وقت الإخراج، روى البخاري عن ابن عمر قال: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أويومين.. أي الصحابة وهم الذين بهم يُقتدى فيُهتدى، وإلى ذلك ذهب أحمد وقال لا يجوز أكثر من ذلك، يعني يوما أو يومين، وهو المعتمد عند المالكية أيضاً، وأجاز بعضهم التقديم ثلاثة أيام، وقال بعض الحنابلة: يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر..

وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان؛ لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال فأشبهت زكاة المال، والقول بجواز إخراجها من بعد نصف الشهر أيسر على الناس، بل نرجح جواز إخراجها من أول الشهر (شهر رمضان) كما رأى الإمام الشافعي؛ لأن المجتمع أصبح أكثر اتساعاً وتعقيداً في زمننا هذا.. وخصوصا إذا كانت الدولة هي التي تتولى جمع زكاة الفطر فقد تحتاج إلى زمن لتنظيم جباتها وتوزيعها على المستحقين، بحيث يتمكن المستحقون والفقراء من الاستفادة من زكاة الفطر لقضاء حاجاتهم..

ومثل ذلك إذا تولت زكاة الفطر مؤسسة أو جمعية إسلامية أو صندوق للزكاة كما في دولة قطر. ثم إن هذا هو اليسر بالنظر لعصرنا.

وسُئل د. القرضاوي سؤال آخر هو:

هل يجوز اخراج زكاة الفطر نقودا بدلا منها شعيرا أو قمحا حتى ينتفع بها الفقير والمستحق أكثر؟

وأجاب فضيلته:

ذهب الأئمة الثلاثة (أحمد ومالك وأبو حنيفة) إلى عدم جواز اخراج قيمة زكاة الفطر، وأرى أن هذا فيه قدر من التشدد حين يحتاج الناس إلى القيمة، ومما يدل على ذلك (أي جواز اخراج القيمة) أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "اغنوهم يعني المساكين في هذا اليوم"، والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل من كثرة الطعام، فكثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعها، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات.

ومما يدل على جواز القيمة ما ذكره ابن المنذر: أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلا في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ثم إن هذا هو الأيسر بالنظر لعصرنا، وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود، كما أنه - في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان - هو الأنفع للفقراء.

والذي يلوح لي أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين: الأول لندرة النقود عند العرب في ذلك الحين فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس، والثاني أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام في ذلك العهد أيسر على المعطي وأنفع للآخذ.

ومن هذا يتضح أن الأفضلية تقاس بمدى انتفاع الفقير بما يُدفع له، فإذا كان انتفاعه بالطعام أكثر كان دفعه أفضل كما في حالة المجاعة والشدة، وإن كان انتفاعه بالنقود أكثر كان دفعها إليه أفضل.

- المصدر: جريدة الراية القطرية (2004)