بعد حيرة سببتها بعض الرسائل والاشارات أفتى فضيلة د. يوسف القرضاوي بأن الاكتتاب في شركة ناقلات الغاز حلال وليس حراما، هو وعدد من علماء قطر هم: د. علي القرة داغي، ود. علي المحمدي، الشيخ عبد القادر العماري والشيخ وليد بن هادي، مخالفين بذلك ما ذهب اليه د. علي السالوس من تحريم الاكتتاب في مثل هذه الشركات، منطلقا في أن الأصل في نشاط هذه الشركات أنه حلال، ورداً على امكانية إيداع الشركة لبعض أموالها في بنوك ربوية؛ قال إنه يمكن أن تتطهر الأرباح بنسبة معينة من الفائدة الربوية التي أكد فضيلته أنها الربا المحرم، وأضاف فضيلته وقد قسم الشركات إلى ثلاثة أنواع أن الشركات التي تمارس نشاطا محرما يحرم بالاجماع الاكتتاب فيها.

جاء ذلك في إجابته على سؤال ورد إليه في برنامج "هدي الإسلام" الذي بثته الفضائية القطرية مؤخرا، يتردد هذا السؤال حين تطرح الدولة أو بعض الشركات اسهمها على الجمهور ويتساءل الناس عن حكم الاكتتاب في هذه الشركات: هو جائز شرعا أو غير جائز..

والعلماء مختلفون في هذا.. فهناك أنواع ثلاثة من الشركات هي شركات حلال بلا شك، الاكتتاب فيها، وهي الشركات التي تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية مثل شركة مواشي، وشركة الإجارة اللتين طرحتا من قبل، وقال مسؤولوهما أنهم ملتزمون بأحكام الشريعة، ومثل البنوك الإسلامية، والشركات التي تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، فالاكتتاب في مثل هذه الشركات لاشيء فيه بالإجماع بين العلماء، فهو حلال ولا حرج فيه..

والنوع الثاني من الشركات لا يجوز الاشتراك فيها بالإجماع وهي الشركات التي تمارس نشاطا محرما مثل شركة تستورد الخمور أو تستورد الخنازير أو مما تستورده الخنازير والخمور، في بلد مسلم لا يجوز هذا شرعا، أو شركات الملاهي أو السينمات، أو أي اشياء لا تلتزم بأحكام الشرع، أو شركات تقوم على الربا البنوك الربوية، بنك يتعامل بالفوائد أخذا عطاء أو لا يلتزم بأحكام الشرع أو شركات التأمين التي لا تلتزم بأحكام الشرع.. كل هذه الشركات التي يعتبر نشاطها محظورا شرعا لا يجوز الدخول فيها بالمساهمة ولا بالاشتراك.

وذكر د. القرضاوي أن النوع الثالث هو شركات الأصل في عملها الحلال، أي تباشر نشاطا حلالا مثل شركة الماء والكهرباء، وشركة الأسمنت، وشركة السكك الحديدية، شركات في بلاد مختلفة، منها في قطر شركة الكهرباء والماء، والأسمنت ومنها شركة نقل الغاز التي تقوم بشراء أو تصنيع أو تطوير ناقلات الغاز، خصوصا في قطر التي أصبحت من البلاد المصدرة للغاز وأصبح لها وزنها في العالم في هذه الناحية فأصل نشاط الشركة حلال ومطلوب.

وأشار إلى مصدر تساؤلات الناس واختلاف العلماء فقال: لكن الشبهة تأتي من أن هذه الشركة تدخل عليها الفوائد الربوية من ناحيتين: الأخذ، والعطاء فالأخذ انها تقيم مشاريع تحتاج فيها إلى الاقتراض من البنوك الربوية بفائدة، وهذه أقل خطرا، والأخطر منها أن تودع أموالها في البنوك الربوية بفائدة حين تفيض عندها أموال من أرباحها بطول السنين، فمن المعروف أن الفائدة هي الربا المحرم كما قرر ذلك مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة، والمجمع الفقهي الدولي الإسلامي في جدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومؤتمرات البنوك الإسلامية وغيرها، قررت أن الفائدة هي الربا المحرم شرعا، وأن أخذ زيادة على المال يكون مشروطاً على ذلك ما زاد على رأس المال بشرط، فهو ربا. فالنشاط في مثل هذا النوع حلال لكن الربا يأتي بعد ذلك.

وأوضح أن العلماء المعاصرين اختلفوا في هذا: فهناك فئة تقول مادام الربا دخل في الشركة أخذا وعطاء، اقتراضا وايداعا فهي محرمة لا يجوز الاقتراب منها ولا المساهمة فيها، ولا الاشتراك معها، لأنها مشاركة في الحرام وتعين على الحرام، هذه الطائفة من العلماء لهم وزنهم ولهم رأيهم ومنهم في قطر أخونا الشيخ علي السالوس الذي يرى أن الاشتراك في مثل هذه الشركات: الصناعات، الناقلات، كلها محرم ولا يجوز الاشتراك فيها.

وهناك فئة أخرى من العلماء نظرت في الأمر نظرة واقعية وهي أن هذا أمر عمت به البلوى، واننا إذا حرمنا هذه الأشياء فإننا نحرم المتدينين من المسلمين من المشاركة في ثروات الأمة الكبيرة، أي في هذه الشركات الكبرى، وهي التي تكون فيها ثروة قطر، فالذي يخاف الله، لن يشترك في الثروة، وأدع لغير المتدينين الذين لا يهمهم الحلال من الحرام، لذلك نظر هؤلاء العلماء وقالوا: ما دام النشاط أصله حلال فلا مانع، هناك شبهة، ولكن أمام هذه الشبهة حاجة أقوى من هذه الشبهة، وها نحن نرجح هذه الحاجة على الشبهة، لحاجة أقوى منها، والحاجة هي أن نشرك مجموعي الشعب في هذه الثروات، وفي هذه الشركات الكبرى، وما دام أصل النشاط حلالا، وهذا الامر سيطرأ فيما بعد، فلا مانع.

ثم أشار فضيلته إلى قضية أخرى هي أن المساهمين هم الذين يكونون الجمعية العمومية لأي شركة، والجمعية العمومية هي السلطة العليا التي تستطيع ان تغير سياسة أي شركة، فهي التي تنتخب مجلس الادارة وتستطيع أن تغير حتى في النظام الأساسي وتعدل فيه، فلو كثر المتدينون في شركة ما، يستطيعون بالأغلبية أن يقولوا للشركة لا تودعوا أموالكم في البنوك الربوية، بل في البنوك الاسلامية ويقولون: لا تقترضوا بالربا، اعملوا مرابحات مع البنوك الاسلامية.. واستشهد بتجربة د. محمد قطبة في مجلس ادارة إحدى الجمعيات التعاونية.

كما أشار إلى ما قام به الشيخ صالح كامل صاحب بنوك البركة ومجموعة دلة البركة رئيس مجلس إدارتها، ودخوله إلى عدد من الشركات مع عدد من المتدينين، مستخدمين سلطان الأغلبية، حيث غيروا سياسة الشركات.

وروى أن فضيلته مع عدد من الاخوة العلماء في قطر، ومنهم: د. علي القرة داغي ود. علي المحمدي والشيخ عبدالقادر العماري، والشيخ وليد بن هادي وعدد من العلماء وفي خارج قطر عدد من العلماء ايضا منهم العلامة الباكستاني الشيخ محمد تقي العثماني والعلامة السوري الشيخ عبدالستار ابوغدة، والأستاذ الدكتور خالد المذكور من الكويت، هؤلاء العلماء رأوا جواز الاكتتاب في مثل هذه الشركات؛ لأنه أيسر على الناس وأليق بتحقيق المقاصد ودرء المفاسد.

وأضاف: إنما شرعت الأحكام وأنزلت الشريعة لتحقيق مصالح العباد في المعاش والميعاد، وعندما يشترك الشخص في مثل هذه الشركة ويعرف فيما بعد أنها أودعت أموالها في بنوك ربوية أو أخذت أموالا بالفائدة، ويظهر ذلك في الميزانية؛ نستطيع أن نقول أنا والأخ د. القرة داغي في هذه الحالة: عليكم أن تطهروا الأرباح بنسبة كذا، أن تخرجوا نسبة كذا من الأرباح حتى يصفوا لكم الباقي ولا حرج عليكم إن شاء الله.

المصدر: د. حسن علي دَبَا

جريدة الراية القطرية