الدكتور الشيخ / يوسف القرضاوي حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

الموضوع / استشارة دينية

بالإشارة إلى الموضوع أعلاه فإننا نحيطكم علماً بإن شركة رواج للإنتاج الفني ستقوم إنشاء الله بعمل مسلسل تاريخي عن الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه حيث يتناول هذا المسلسل سيرة البطل والصحابي خالد بن والوليد منذ ماقبل إسلامه وحتى وفاته.

فنرجوا من سيادتكم إعطائنا فتوى عن الأتي:

أولاً: حكم ظهور الصحابه في التمثيليات أو المسلسلات أو الافلام؟

ثانياً: من الصحابه المحظور ظهورهم في التمثيل؟

ثالتاً: هل محظر ظهور المبشرين بالجنة والخلفاء الراشدين؟

فنرجوا من سيادتكم أعطائنا الفتوى الشرعية وفق منهج أهل السنة والجماعة

وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام،،،

المدير العام

محمد سامي العنزي

وكانت إجابة فضيلة الدكتور القرضاوي كالتالي:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد

فهذا سؤال لم يعرض على الأئمة والفقهاء السابقين في عصور الاجتهاد، ولا من بعدهم؛ ولذا لا نجد إجابته في كتبنا الفقهية التراثية، حيث لم يعرف المسلمون في عهود حضارتهم فن التمثيل الذي اشتهر عند اليونان.

وقد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجابا وسلبا.

وقد وجد في بعض الأوقات من علماء المسلمين من يمنع التمثيل من أصله، ولا يجيزه، ويعتبره ضربا من الكذب!

ثم استقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد.

ولكن علماء العصر الذين أجازوا التمثيل في الجملة: لم يجيزوا تمثيل بعض الفئات لما لها من مكانة دينية خاصة في نفوس المؤمنين، قد يُشَوّش عليها ظهورهم على المسرح أو الشاشة مُمَثّلِين في أشخاص قد لا يحسنون تجسيد شخصيتهم، وربما يكون هؤلاء الممثلون لهم أو عليهم اعتراضات في سلوكياتهم، طوال تاريخهم الفني، لا تتفق مع من يمثلونه من هؤلاء العظماء، إلى غير ذلك من الاعتبارات.

على أن هناك اعتبارا له أهميته الخاصة في هذه القضية: وهو أن المسلم قد رسم في مخيلته لهذه الشخصيات العظيمة: صورة مثالية، قد تتأثر بتمثيلها على المسرح أو الشاشة وتهتز قيمتها الراسخة عند المسلم العادي.

والشخصيات التي حرم العلماء تمثيلها، هم:

أولا: الرسل والأنبياء، المذكورون في القرآن ا لكريم، وخصوصا أولي العزم من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى بن مريم ومحمد عليهم الصلاة والسلام.

ثانيا: أمهات المؤمنين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللاتي قال فيهن القرآن: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب: 6)، مثل: خديجة وعائشة وحفصة وأم سلمة وغيرهن رضي الله عنهن.

ثالثا: العشرة المبشرون بالجنة من الصحابة رضي الله عنهم، ولا سيما الخلفاء الراشدون منهم: أبو بكر وعمر عثمان وعلي رضي الله عنهم. وبعضهم أضاف إليهم: الحسن والحسين من آل البيت رضي الله عنهم.

وقد ظهر في فيلم "الرسالة" الشهير صورة أسد الله وأسد رسول الله سيدنا حمزة رضي الله عنه، واستنكره في أول الأمر كثير من الناس، ثم أساغوه بعد ذلك، وقد أصبح لهذا الفيلم شهرة كبيرة، وسمعة حسنة لدى الناس، وإن لم يتح لي أن أراه.

وأما من دون هؤلاء من الصحابة: أمثال خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وحسان ب ثابت وأمثالهم فلا حرج في تمثيلهم.

وقد ظهر من قديم في مصر فيلم عن سيدنا "خالد بن الوليد" رضي الله عنه، مثله وأخرجه الممثل المعروف المحبوب: حسين صدقي، وأحسب أنه لم يلق اعتراضا ولا إنكارا من العلماء في حينه.

ومن ثم لا أرى بأسا من القيام بعمل درامي تمثل فيه شخصية سيدنا "خالد" رضي الله عنه، كل ما نوصي به: أن يلتزم بالتاريخ الحق، وخصوصا في المواطن التي تحتاج إلى تمحيص وتحقيق، مثل عزل عمر لخالد وبواعثه، وأن تأخذ الشخصية حقها في إبراز الخصائص وتجسيد الفضائل، وأن يقوم بالتمثيل شخصية محببة لا اعتراض عليها.

والحمد لله أولا وآخرا.

الفقير إلى عفو ربه

يوسف القرضاوي