حذر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الولايات المتحدة الأمريكية من أن نقل سفارتها إلى القدس يعد تكريسا للاحتلال الغاشم للمدينة المقدسة، وخطوة رعناء لا يمكن قبولها، لفرض أمر واقع خارج أُطر القانون الدولي.

 

وحذر الاتحاد -في بيان- "من لا يدرك رد الفعل المتوقع على هذا القرار، فهو يغامر بمصالح بلده ومستقبلها في هذه المنطقة من العالم". وأكد الاتحاد أن القدس وفلسطين أمانة الأنبياء في أعناق زعماء الدول العربية والإسلامية، مطالبا إياهم برفض هذا القرار واتخاذ إجراءات تعبر عن العروبة والإسلام ونبض الشعوب، محذرا من أن "أي تخاذل عن القيام بهذا الواجب، فهو طعن في مشروعيتكم ودوركم في الدفاع عن قضايا الأمة".

كما دعا البيان الشعوب العربية والإسلامية إلى التفاعل الإيجابي والحكيم، والضغط الفعَّال على أصحاب القرار؛ لاتخاذ الخطوات الواجب اتخاذها نحو القدس وفلسطين.

 

نص البيان:

قال الله تعالى في كتابه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء:1)

بينما تتعالى دعوات الاستنكار من الشعوب والدول العربية والإسلامية، والمنظمات والهيئات المدنية لإعلان الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس باعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال، تستمر الإدارة الأمريكية في صلفها، وتصر على إجراء استفزازي قد يدفع بالمنطقة إلى أتون الجحيم، نتيجة مغامرة سياسية تتجاوز بها عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتخرج عن قررات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتستهين بالمشاعر الدينية للشعوب العربية والمسلمة، وتتجاهل الرفض الرسمي الذي عبرت عنه الدول العربية، وتخرج عن الإجماع العالمي الذي عبرت عنه الدول الكبرى.

 

إن نقل سفارة أمريكا إلى القدس تكريس للاحتلال الغاشم للمدينة المقدسة، وخطوة رعناء لا يمكن قبولها، لفرض أمر واقع خارج أُطر القانون الدولي، وعلى الإدارة الأمريكية التي تساهم بخطوتها غير محسوبة العواقب، أن تعيد قراءة تاريخ الشعب الفلسطيني جيدا، وثوراته وانتفاضاته التي لم تتأخر يوما عن تلبية نداء القدس والمسجد الأقصى، وكل فلسطين. فهذا الشعب المقاوم في سبيل تحرير أرضه منذ ما يقرب من مائة عام، لم يتأخر عن تقديم قوافل الشهداء تلو الشهداء، وما هبته الأخيرة في حماية المسجد الأقصى ببعيدة. ومن وراء شعب فلسطين، الشعوب العربية والإسلامية، فالقدس قضية كل عربي ومسلم، قضية الأمة كلِّها، لن تسمح بالتفريط فيها، ولو عظمت في ذلك التضحيات.

 

إن عروبة القدس وهويتها الفلسطينية، والتي يمثل المسلمون فيها الغالبية العظمى: غير قابلة للتغيير أو العبث، ولن يقبل العالم العربي والإسلامي هذه الإجراءات. كما أن مسيحيي فلسطين والقدس يرفضون أيضا هذا الإجراء، الذي يريد أن يغير معالم القدس وطبيعتها.

وفي هذا الوقت العصيب فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين  يتوجه بالرسائل الآتية:

أولاً: إلى الرئيس والشعب الأمريكي:

يحذر الاتحاد الإداراة الأمريكية ممثلة في رئيسها من مغامرة القرار الذي ستقدم عليه، والتحيز الواضح والدعم غير المحدود للاحتلال الاسرائيلي، والسير وراء أجندات المتطرفين، والذي سيدفع الشعب الفلسطيني ومن ورائه الشعوب العربية والمسلمة إلى الدفاع عن مدينتهم المقدسة بكل ما يستطيعون. ومن لا يدرك رد الفعل المتوقع على هذا القرار، فهو يغامر بمصالح بلده ومستقبلها في هذه المنطقة من العالم.

 

ثانياً: إلى زعماء الدول العربية والإسلامية:

القدس وفلسطين أمانة الأنبياء في أعناقكم، ولن تستطيعوا إنقاذ القدس وتحرير الأراضي الفلسطينية والعربية المغتصبة دون أن تجتمع كلمتكم وتقوى دولكم ويرضى عنكم ربكم. فعليكم رفض هذا القرار الأمريكي بكافة صوره، واتخاذ إجراءات تعبر عن عروبتكم وإسلامكم ونبض شعوبكم، وإن أي تخاذل عن القيام بهذا الواجب، فهو طعن في مشروعيتكم ودوركم في الدفاع عن قضايا الأمة.

 

ثالثاً: إلى الشعوب العربية والمسلمة:

لن يحرر القدس السليبة وفلسطين الجريحة إلا إيمان شبابكم، وجيوش بلادكم، وتوكلكم على الله سبحانه وتعالى. وفي حال صدور هذا القرار الأرعن من الإدارة الأمريكية، فعلى كل فرد عربي ومسلم أن يرفض هذا القرار، ويعمل على إسقاطه بكافة الصور المشروعة، وفي القلب من هؤلاء شعب فلسطين وأهل القدس. وإننا ندعو شعوب أمتنا الحية إلى التفاعل الإيجابي والحكيم، والضغط الفعَّال على أصحاب القرار في بلادنا العربية والإسلامية؛ لاتخاذ الخطوات الواجب اتخاذها نحو القدس وفلسطين.

 

كما ندعو علماء الأمة ودعاتها إلى تبصير الأمة بخطورة هذا القرار، وتنظيم فعاليات احتجاجية من اليوم وفي أيام الجمع القادمة نصرة للقدس، في إطار هبة فلسطينية عربية إسلامية شعبية عالمية، في وجه هذا العدوان الأمريكي على أولى القبلتين، ومسرى النبيِّ محمد عليه الصلاة والسلام، ومحضن المسيح عليه السلام.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

6 ديسمبر، 2017

     الأمين العام                                           الرئيس                    

 أ‌. د. علي القره داغي                           أ. د. يوسف القرضاوي