السؤال: نحن أخوة ثلاثة شاب وفتاتان توفيت أمنا منذ أن كنا صغارًا، فهل صحيح أن كل ما نفعله من خير طوال حياتنا يكون لأمنا ثواب منه لأننا أبنائها؟ وكيف نستغفر لأمنا؟

المفتي/ مكتب فضيلة الشيخ:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد

أولًا: قرر القرآن الكريم أن الإنسان يُجزى يوم القيامة على عمله لا على عمل غيره، كما قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم:39)، يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (كَمَا لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وِزْرُ غَيْرِهِ، كَذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ مِنَ الْأَجْرِ إلا ما كسب هو لنفسه... وَأَمَّا الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: مِنْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ مِنْ بَعْدِهِ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ"، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ مِنْ سَعْيِهِ وَكَدِّهِ وَعَمَلِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ")؛ فهذا يدل على أن الوالد ينتفع بعمل ولده الصالح؛ لأنه من كسبه وسعيه، وكذلك الأم.

ثانيًا: بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث أن الولد الصالح ينفع والده بعد موته، حيث يظل عمله ساريًا لا ينقطع، منها: حديث: "سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته"، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.

وحديث: "خَيْرُ مَا يُخَلِّفُ الرَّجُلُ مِنْ بَعْدِهِ ثَلَاثٌ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا، وَعِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ" صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وحديث: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا علمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورّثه أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته" حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

وجاء في (شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره): في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "أو ولد صالح يدعو له": (قيَّد الولد بالصالح؛ لأن الأجر لا يحصل من غيره، وإنما ذكر دعاءه تحريضا للولد على الدعاء لأبيه حتى قيل: للوالد ثواب من عمل الولد الصالح سواء دعا لأبيه أم لا، كما أن غرس شجرة يجعل للغارس ثواب بأكل ثمرتها، سواء دعا له الآكل أم لا) اهـ.

فهذا يدل على أن الوالدين ينتفعان بصلاح ولدهما مطلقًا، وكل عملٍ صالح يعمله الولد فلأبويه من الأجر مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد من سعي أبيه وكسبه.

ثالثًا: من الأشياء التي ينتفع بهما الوالدان بعد موتهما: الدعاء لهما، والاستغفار والتصدق عنهما، والحج والعمرة عنهما؛ وورد في ذلك أحاديث: منها: قوله: "أو ولد صالح يدعو له". وحديث أن رجلا قال: يا رسول الله أن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال : "نعم فتصدق عن أمك". رواه البخاري ومسلم.

وحديث: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ، أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ، ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لاَ يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولاَنِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ". رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. وحديث: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألبس والداه تاجًا يوم القيامة، ضوؤه مثل ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا". فهذه أحاديث تدل على أن مثل هذه الأعمال الصالحة تنفع الوالدين.