السؤال: ما هو حكم الدين في من يغش في الامتحانات الدراسية أو الوظيفية أو ما شابه.. أفتونا أثابكم الله بالخير؟

 جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد

فالإسلام يكره الغش بكل أنواعه، ويحرمه  بكل صورة من الصور، في كل بيع وشراء وفي سائر أنواع المعاملات الإنسانية. ويبرأ من الغاش في كل معاملة، مادية كانت أو معنوية، ويتضح هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا".

والمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، فإنه من البر الذي يهدي إلى الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا". وهذا المكسب أغلى من كل كسب دنيوي.

وإذا حرَّم الله أمرًا، كان فعله معصية، والمشاركة فيه من التعاون على الإثم والعدوان، فإذا كان الغاش مرتكبًا لمعصية، فمن يساعده على الغش شريك له في الإثم. كما يعد أيضًا معتديا على حق غيره، إذ أن الامتحان جُعل لتمييز الذكي من البليد، وتمييز المجتهد من المقصر، والدارس عن المفرط، فكيف يُسوَّى الذكي العامل بالبليد المهمل؟!، قال تعالى {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:28)، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر:9) .

وانتشار الغش في الامتحانات الدراسية أو الوظيفية وغيرها، سلوك سيء، ورذيلة من الرذائل، فهو خداع للمسؤولين، وظلم للمجتمع، وظلم للدولة، كما أنه خطر على المجتمع، حيث يتساوى فيه المجتهد بالمفرط، بل ربما سبق المفرط المجتهدَ، والبليد الذكي، في عمل أو منصب ليس كفؤا له.

وكيف لمجتمع يسود فيه أهل الباطل وينحسر فيه أهل الحق، وتسند فيه الأمور إلى غير أهلها، أن يعيش ويقوى؟! إنه انقلاب للموازين، وضياع للأمانة، وفي الحديث: "فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". قَيلَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ" رواه البخاري.

وإذا حصل الغاش على شهادة أو وظيفة بغشه، فإنه يخشى أن يكون ما يأخذه من الرواتب حرام عليه؛ لأنه يأخذه وهو غير مستحق له، حيث إنه لم يصل في الحقيقة إلى الدرجة التي تؤهله لهذا المنصب، فيكون أخذه للراتب من أكل المال بالباطل، وربما صدق عليه قول الله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران:188).

ولهذا ننصح من حصل على وظيفة بالغش فيما يؤهله لهذا العمل، أن يسعى للحصول على شهادة حقيقية، أو أن يبحث عن عمل لا يتطلب ما ليس عنده. كما ننصحه أيضًا بتقوى الله والصبر حتى يجعل الله له مخرجاً، كما قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2-3).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ" والحديث صححه الألباني.