السؤال: هل تفطر الحقن التي تؤخذ في الوريد أو العضل؟ وكذلك الحقن الشرجية واستعمال المرهم أو اللبوس في فتحة الشرج لأجل البواسير أو غيرها؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:

لا يجهل أحد معنى الصوم البسيط، وهو الامتناع عن الأكل والشرب ومباشرة النساء، وهي أمور نص عليها القرآن. ولا يجهل أحد كذلك معنى هذه الأمور الممنوعة، فقد كان يفهمها بداة الأعراب في عهد النبوة، ولم يحتاجوا في فهم معنى الأكل أو الشرب إلى حدود وتعريفات منطقية. ولا يجهل أحد كذلك الحكمة الأولى للصيام، وهي إظهار العبودية لله تعالى بترك شهوات الجسد طلباً لمرضاته سبحانه كما قال في الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي ، وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" رواه البخاري.

وإذا تبين ذلك رأينا أن تعاطي الحقن بأنواعها، واستعمال المراهم ونحوها مما ذكره السائل ليس أكلا ولا شراباً في لغة ولا عرف، ولا تنافي قصد الشارع من الصيام فهي لذلك لا تفطر. ولا موضع للتشديد في أمر لم يجعل الله فيه من حرج، قال تعالى في آية الصيام {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة:185) قال ابن حزم: لا ينقض الصوم حقنة (يعنون بها الحقنة الشرجية إذ الحقن العرقية والجلدية لم تكن عرفت في عهدهم) ولا سعوط "نشوق" ولا تقطير في أذن أو في إحليل أو في أنف ولا استنشاق وإن بلغ الحلقوم، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد، ولا كحل وإن بلغ إلى الحلق نهاراً أو ليلاً، بعقاقير أو غيرها، ولا غبار طحن، أو غربلة دقيق أو حناء أو عطر، أو حنظل، أو أي شئ كان، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة...إلخ.

واستدل ابن حزم لما ذهب إليه فقال: "إنما نهانا الله في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي. وما علمنا أكلاً ولا شرباً يكون من دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس. وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف - بغير الأكل والشرب - ما لم يحرم علينا إيصاله".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الكحل والحقنة والتقطير في الإحليل ووصول الدواء إلى الجوف عن طريق جراحة.. الخ: "الأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه. فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك" والله أعلم.