السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل خيرًا أو اصمت"، فهل الكلام الكثير حرام على ضوء هذا الحديث؟

جواب فضيلة الشيخ:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:  

جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث عديدة تُحذِّر من آفات اللسان، منها: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". (متفق عليه عن أبي هريرة وأبي شريح).

وجاء عنه: "رحم الله امرءًا قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم" (رواه ابن المبارك في الزهد بإسناد حسن وروي من طرق أخرى) فالكلام الكثير يؤدي إلى أن يتورط الإنسان في أخطاء كثيرة، فاللسان له آفات، بلغها الإمام الغزالي عشرين آفة من الكذب، والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، واليمين الغموس، والخوض في أعراض الناس، والكلام فيما لا يعنيه، والاستهزاء بالآخرين، والسخرية منهم، وغير ذلك كثير.

بل إن الشيخ عبد الغني النابلسي وصل آفات اللسان إلى اثنتين وسبعين آفة، وجاء بتفصيلات كثيرة على ذلك. فإذا أكثر المرء من الكلام، فهو معرض لأن يخطئ، وأن يتناول الأعراض وأن ينهش لحوم الناس في غيبتهم؛ ولهذا كانت السلامة في الصمت.. وليس معنى هذا أن يطبق الإنسان شفتيه، ولا ينبس ببنت شفة.. لا.. وإنما ليحرص على أن لا يتكلم إلا بالخير، وبما يرضي الله عز وجل.

ومِن هنا قال الناس من قديم: إذا كان الكلام من فضة، كان السكوت من ذهب.

وقال الشاعر:    

   احفظ لسانك أيها الإنسان  **  لا يلدغنك، إنه ثعبان       

كم في المقابر من قتيل لسانه  **  كانت تهاب لقاءه الشجعان

حتى في الدنيا، وليس في الآخرة فقط؛ يجد الإنسان نتيجة أخطاء اللسان، فيؤذى ويصاب بالأضرار الجسيمة بسبب لسانه. فلتات اللسان هذه ينبغي الحذر منها.

ولهذا قيل:      يموت الفتى من عثرة بلسانه  **  وليس يموت المرء من عثرة الرجل       

                فعثرته من فيه ترمي برأسه  **  وعثرته بالرجل تبرا على مهل

وقالوا: أنت مالك الكلمة، فإذا قلتها ملكتك؛ ولهذا ينبغي ألا يكون الإنسان ثرثارًا.. وأكثر الناس الذين يكثرون الكلام يخطئون، ويصبحون مضغة في الأفواه؛ ولهذا يجب على المؤمن الذي يراقب الله ويخشاه، أن يعلم بأن كلامه من عمله، محسوب له أو عليه.. فإن قلم التسجيل الإلهي، لا يعدو كلمة يتفوه بها الإنسان إلا ويدونها في كتاب.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق:16-18)، فمَن علم أن كلامه مثل عمله تمامًا، مكتوب ومحسوب ومحصى عليه؛ قل كلامه إلا فيما يعنيه، وهذه هي السلامة.

فقل خيرًا تغنم، واسكت عن شر تسلم.