السؤال: شاعت بين المسلمين هذه الكلمة: "النظافة من الإيمان" وتوارثتها الأجيال بعـضها عن بعـض، وظنها الكثيرون حديثًا مأثورًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن بعـض الإخوة من المطلعين على الكتب الدينية، قال: إنها ليست بحديث، ولم يقل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

فهل ما قاله هذا الأخ صحيح؟ وإذا لم تكن هذه الكلمة حديثًا نبويًا، فهل هي متفقة مع ديننا الإسلامي الحنيف؟ وما دليل ذلك من الشرع الشريف؟ أفيدونا أفادكم اللــه.

جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..

هذه الكلمة "النظافة من الإيمان" بهذا اللفظ لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أعلم، بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف.

ولكن روى الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود مرفوعًا: "تخللوا فإنه نظافة، والنظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة" أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (جـ 1/ ص 632) وذكر أن في إسناده إبراهيم بن حبان. قال ابن عدى: أحاديثه موضوعة. وقال الألباني في "غاية المرام": ضعيف جدًا.

ولكن من المؤكد أن معنى هذه الكلمة صحيح، وهو مقتبس من نصوص صحيحة أخرى، ففي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطهـور شطر الإيمــان" (رواه أحمد ومسلم، والترمذي، كما في الجامع الصغير، وهو من أحاديث الأربعين النووية الشهيرة).

والطهور -بضم الطاء- هو الطهارة، والطهارة في الإسلام تشمل الطهارة المعنوية من رجس الكفر والمعصية والرذيلة، كما تشمل الطهارة الحسية، وهي تعني: النظافة، وهي شرط لصحة الصلاة، سواء كانت الطهارة من الحدث بالوضوء والغسل، أم من الخبث؛ بالتنظيف المناسب، وهي طهارة الثوب والبدن والمكان؛ ولهذا كان "باب الطهارة" أول ما يدرس في الفقه الإسلامي؛ لأنه مدخل ضروري للصلاة، فمفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الطهور.

وفي الحديث الصحيح: "لا يقبل الله صلاة بغير طُهور" (رواه مسلم، وابن ماجه عن ابن عمر، وابن ماجه عن أنس وأبي بكرة، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن والد أبي المليح).

وقد أثنى القرآن الكريم على أهل قباء لحرصهم على التطهر وحبهم له، فقال تعالى: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة:108)، وقال تعالى في سياق التطهـر بعـد الحيض: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222).

ومن درس السنة النبوية وجد فيها حشدًا من الأحاديث الصحاح والحسان، تحث على النظافة في كل المستويات: نظافة الإنسان، ونظافة البيت، ونظافة الطريق.

وفي نظافة الإنسان أمرت بغسل يوم الجمعة، حتى عُبر عنه في بعض الأحاديث بلفظة واجب: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" (رواه مالك، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن أبي سعيد).

وفي حديث آخر: "حق لله على كل مسلم في كل سبعة أيام: يوم يغسل فيه رأسه وجسده" (متفق عليه عن أبي هريرة)، ويتأكد ذلك إذا وجدت أسبابه من العرق والوسخ ونحوه، حتى لا يكون مصدر إيذاء لمن يخالطه.

وأكدت السنة وشددت على أجـزاء معينة من الجسـم تحتاج إلى عناية خاصة مثل الفـم، والأسنان، ومن ثم كان الأمر بالسواك وتأكيد استحبابه، وقال فيه -عليه الصلاة والسـلام: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (رواه مالك، وأحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة وأحمد، وأبو داود، والنسائي عن زيد بن خال الجهنمي)، أي أمر إيجاب وإلزام.

وقال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" (رواه الشافعي عن أبي بكر، والشافعي، وأحمد، والنسائي، والدارمي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي عن عائشة، وابن ماجه عن أبي أمامة، والبخاري في التاريخ، والطبراني في الأوسط عن ابن عباس، كما في صحيح الجامع الصغير).

ومن ذلك: نظافة الشعر، وفيه جاء الحديث: "من كان له شعر فليكرمه" (أبو داود عن أبي هريرة كما في صحيح الجامع الصغير)، وعن جابر بن عبد الله، قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرًا في منزلنا فرأي رجلاً شعثًا قد تفرق شعره، فقال: "أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟!" ورأى رجلاً آخر، وعليه ثياب وسخة، فقال: "أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه؟!" (أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم).

وتكميلاً لذلك جاءت الأحاديث بما عرف باسم "سنن الفطرة" التي تدل رعايتها على مدى حرص الإنسان على النظافة والتجمل، والمحافظة على نعمة الصحة والزينة، وتشمل: تقليم الأظافر، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، ونحو ذلك. وهي في الصحيحين.

ومما عنيت السنة بنظافته: البيت، فلا بد من تنظيفه من كل الأقذار والأخباث التي يسوء منظرها، ويضر مخبرها.

وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن سعيد بن المسيب قال: "إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود" (رواه الترمذي في الأدب، باب ما جاء في النظافة، وقال: غريب وضعفه الألباني في غاية المرام، ص 89، لكنه استثنى قوله: "فنظفوا أفنيتكم" بأن له طريقًا أخرى عن سعد بإسناد حسن).

ومثل ذلك: نظافة الطريق، ومن الأحاديث الشهيرة التي يكاد يحفظها جميع المسلمين: "إماطة الأذى عن الطريق صدقة" (متفق عليه عن أبي هريرة، وهو جزء من الحديث).

ومما حذرت منه السنة أشد التحذير: التخلي في الطريق، ومواضع الظل، وقد جعله مما يجلب اللعنة على صاحبه، سواء لعنه الله أم لعنه الناس فقال عليه الصلاة والسلام: "اتقوا اللاعنين: الذي يتخلى في طريق الناس، وفي ظلهم" (رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود عن أبي هريرة)، وفي حديث آخر: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل" (رواه أبو داود، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي عن معاذ، وحسنه في صحيح الجامع الصغير).

وبهذا سبقت السنّة بالحث على حماية البيئة من التلوث، ومثل ذلك البول في الماء الراكد أو الجاري، وفي الحديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه" (متفق عليه عن أبي هريرة).

كما حثت السنة على العناية بالطعام والشراب، وحمايتهما من أسباب التلوث.. وفي هذا جاء الحديث الصحيح: "إذا نمتم فأطفئوا المصباح، وأغلقوا الأبواب، وأوكوا الأسقية -اربطوا قرب الماء- وخمروا الشـراب" (رواه أحمد، والطبراني، والحاكم عن عبد الله بن سرجس، كما في صحيح الجامع الصغير)، "أغلقــوا أبوابكــم، وَخَمِّرُوا آنيتكــم -غطوها- وأطفئوا سرجكم، وأوكئوا أسقيتكم" (أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي عن جابر، كما في صحيح الجامع الصغير).

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.