السؤال: كيف يصلي الأسير أو السجين في فترة التحقيق معه، وهو مقيد اليدين والرجلين، ومثّبت بالحائط، ورأسه مغطى بكيس، وعلى غير طهارة من الحدثين، بل ربما حرم من قضاء الحاجة بالطريقة المعتادة عدة أيام، وهو على هذه الحالة.

جواب سماحة الشيخ:

الحمد لله. ونسأل الله تعالى لإخواننا الأسارى والمسجونين أن يفك بفضله أسرهم، ويجبر برحمته كسرهم، ويتولى بعنايته أمرهم، ونقول جوابا عن السؤال:

الصلاة واجبة على المسلم في كل حال: في الصحة والمرض، في العافية والبلاء، في الحضر والسفر، في السلم والحرب، ولا عذر لترك الصلاة بحال من الأحوال ما دام واعيا. قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:238-239) فأشارت الآية أن المسلم يصلى ـ في حالة الخوف أي عند اصطلاء الحرب وقيام القتال بالفعل ـ راجلا (ماشيا) أو راكبا، كيف استطاع. أي يصلي في مصفحته أو دبابته أو طائرته حسب استطاعته.

وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين:"صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"(1)، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن:16)، وقال الرسول الكريم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(2)، وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة:236).

ومن المقرر المعلوم في دائرة الفقه الإسلامي: أن الشروط المطلوبة لصحة الصلاة، مثل الطهارة من الحدث والطهارة من الخبث، واستقبال القبلة، وستر العورة وغيرها من شروط الصحة، تسقط عند العجز. ومثلها الأركان مثل: القيام والركوع والسجود وغيرها، فمن فقد الطهارة بالماء وقدر على التيمم صلى بالتيمم وأغناه عن الوضوء وعن الغسل جميعا، ومن كان لا يستطيع التيمم كما في الحالة المسؤول عنها، سماه الفقهاء "فاقد الطهورين" أي الماء والتيمم، فهو يصلي بدونهما ولا حرج.

قال العلامة ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" معلقا على حديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم": فيه دليل على أن من عجز عن فعل المأمور به كله، وقدر على بعضه، فإنه يأتي بما أمكنه منه. وهذا مطرد في مسائل... ".(3)

ومن عجز عن استقبال القبلة، مثل هذا السجين المثبت بالحائط، ولا يستطيع التوجه إلى القبلة، صلى كيف استطاع. ومن عجز عن الصلاة قائما أو قاعدا، بركوع وسجود، صلى بالإيماء، مشيرا برأسه أو بحاجبه كيف استطاع، وهذا فرضه، ولا يكلفه الله غيره. قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج:78).

فينبغي للمسلم ـ وهو في كربه هذا ـ أن يعتصم بالله، ويستعين بالصلاة، كما يستعين بالصبر، فهما عدته في معركته مع أعداء الله، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:153).

ولا عذر لترك الصلاة إلا في حالة "الغيبوبة" التي يفقد الإنسان فيها الوعي، ويسقط عنه التكليف، ويرفع عنه القلم. والله أعلم

.....

(1) رواه البخاري عن عمران بن حصين (1117).

(2) متفق عليه عن أبي هريرة، رواه البخاري (7288) ومسلم (1337).

(3) جامع العلوم والحكم (1/ 256) طبعة الرسالة.