السؤال: هل مِن حق المتهم أن يدافع عن نفسه؟ وهل يجوز منعه من ذلك؟ وما واجب المجتمع المسلم حياله، ايسعه السكوت وترك الأمور تجري في أعنتها أم يقف بجواره مناصرًا؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه

نعم من حق الفرد الذي اتهم في دينه وعرضه وسلوكا ظلما: أن يدافع عن نفسه تجاه من ظلمه، ويرفع صوته جاهزا بالحق، بل أباح الله تعالى له ما لم يبح لغيره، رعاية لظرفه، وذودا عن حرمته، حين قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}(النساء:148)، ولا يجوز لأحد منع التهم من الدفاع عن نفسه، فهذا حق طبيعي وشرعي، وقد أعطى الله الحرية لإبليس اللعين ليجادل عن نفسه أمام رب العالمين، ويقول عن آدم: "أنا خير منه" كما جعل من حق كل نفس يوم القيامة أن تجادل عن نفسها.

ويجب على المجتمع المسلم أن يتيح له الفرصة، ويحفظ له حق الحرية في هذا الدفاع عن النفس بكل ما يستطيع: قولا باللسان، أو كتابه في الصحف، او حديثا إلى المذياع، أو إلى التلفزيون، ولا سيما إذا كان شخصية عامة لها وزنها وتأثيرها، فلا يجوز شرعا أن يترك لمخالب خصومه وأنيابهم تفترسه جهارا نهارا والمجتمع يتفرج، ولا يحرك ساكنا، والأبواب مغلقة على المتهم البرىء، لا يملك أن يرد عن نفسه أسلحة الخصوم الذين يملكون كل شىء، وقد جرده من كل شىء..

وأدهى من ذلك أن يشارك الناس في حملة الإفتراء بنقل كلام السوء دون إنكار كما قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}(النور:14-15).

إن المجتمع المسلم مجتمع متضامن متكامل، لا يقبل أن يسقط أحد البرآء فيه ضحية لظلم مبيَّت، ومؤامرة مدمرة، وكيدٍ عظيم، وهو ساكت، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والله تعالى يقول: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} (النور:12) فهذا تحريض للمجتمع على رفض الإفك، وهذا موقف المجتمع المؤمن المتضامن، والله تعالى يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (التوبة:71).

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه". متفق عليه، ومعنى "لا يسلمه": أي لا يتخلى عنه ولا يتركه في ساعة الشدة. وقال عليه الصلاة والسلام: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك نصرك له" متفق عليه.

فالإسلام يوجب على المجتمع المسلم أن ينصر المظلوم على الظالم مهما تكن قوته وجبروته، والحديث النبوي يقول: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودع منهم "رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه، والواجب على كل مسلم سمع عن أخيه شرَّاً يعلم خلافه أن يذب عنه ويرد عن عرضه، كما في الحديث الشريف: "من ردَّ عن عرض أخيه؛ ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه احمد والترمذي.