مقدمة

"التعددية السياسية في المفهوم الإسلامي" كان هذا عنوان المحاضرة التي ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور  يوسف القرضاوي في نقابة الصحفيين المصريين مساء 31/8/2004، حيث سأل أحد الحضور حول رأي الشيخ في اختطاف الأمريكيين المدنيين في العراق وقتلهم والتمثيل بجثثهم  لإجبار القوات الأمريكية على الخروج من العراق، فكان رد الدكتور القرضاوي: [إن الأمريكيين الذين جاءوا إلى العراق غزاة ومن ثم فكلهم محاربون وقتالهم واجب لكن التمثيل بالجثث لا تقره أخلاق الإسلام ودستور الحرب في الإسلام دستور أخلاقي وبمقتضى ذلك الدستور فينبغي ألا يقتل إلا من يقاتل ومن ثم فكل من لا يحمل السلاح ليس لنا أن نقاتلة] ، وعزز الشيخ رأيه باستشهاده بآيات من الذكر الحكيم وأحاديث عن النبي علية الصلاة والسلام.

 

هذا ما رد به شيخنا الفاضل.

فنفاجأ بالهجوم الشرس واللاأخلاقي الذي شنته جريدة [الاتحاد] الإماراتية والتي تحمل القرضاوي مسؤولية قتل الرهينتين الأمريكيتين! ودعت ذوي الضحيتين إلى رفع قضية علية.

ولو لم نعرف مسبقا أن [الاتحاد] هي مصدر الإفتراء والتجني على أستاذنا القرضاوي لما شككنا لحظة في أنها صحيفة صهيونية أو أمريكية أو ما شابه من الصحف التي تكره الإسلام والمسلمين.

لكن بالمقابل وردا على هذا الافتراء على شيخنا الجليل قامت الكثير من الصحف بنشر عددا من المقالات التي تدافع عن شيخنا الجليل.

ففي مقالة بعنوان ((عثرة الاتحاد بالمرتزقة)) والتي نشرت في جريدة الشرق القطرية:

[...أما فضيلة الدكتور القرضاوي فهو من يستحق الرفع على الرؤوس فهو القادر على الجهر بالقول الحق في وجه هذا الجور والجبروت ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتحمل جريرة هذا الفعل أو غيره من نتاج هذه الفتنة الخبيثة، وليراجع هذا الكاتب أمره بمراجعة السؤال اللغم الذي وجه لفضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي والإجابة التي كانت عبارة عن تساؤل تلقفته أقلام المرتزقة لتحوله إلى فتوى تبيح قتل المدنيين الأمريكيين في العراق!! وبالرغم من التوضيح الذي أراد به شيخنا الجليل قطع الطريق على المرتزقة من أفراد إمتنا إلا أنهم مصرون على تجاهل الحق والتعلق بالباطل علهم ينالون الرضا والقبول من أسيادهم. فتمادوا في غيهم متناسين مأساة أخوتهم في العراق الذين تقطع أوصالهم بأسلحة فتاكة وتتناثر اشلاؤهم وتتوجع المستشفيات الفقيرة بكثرة أعدادهم ونرى اطفالاً يتألمون ونساء يمتن موتا نفسيا إن لم يكن أبديا، ومجرد إعلان امريكا بانها تقصف، معاقل ومخابئ هذا الشبح المدعو الزرقاوي تتنصل من مسؤوليتها ويتقبل هؤلاء المرتزقة العذر ويتغافلون عن مثل هذه الجرائم المتواصلة ويسخرون أقلامهم للدفاع عن جيش الغزو وافراده ومن يعينهم ويعاونهم بحجة أن قتل المدنيين حرام، وكأن هذا أمر مختلف فيه وليس من المسلمات التي نؤمن بها جميعا، ولكن هذا هو منطق الاعداء في فلسطين ويتكرر في العراق بذات المنطق الملتوي وعلى أمثال هؤلاء أن يطلعوا على خطبة الشيخ القرضاوي والتي كانت في مسجد عمر بن الخطاب في دوحة الخير على أرض قطر والتي لا يقبل شعبها المساس بهذا الشيخ الفاضل وتتشرف دولة قطر شعبها بانتسابه لها، وذلك في يوم الجمعة الرابع والعشرين من سبتمبر الحالي ليعوا حقيقة قالها، وهي بديهية لكل ذي لب ولا يتغافل عنها سوى المصطادين في المياه العكرة، فالزرقاوي لا ينتظر فتوى من أحد، فقد سبق للزرقاوي أن ذبح الرهينة الأمريكي نيكولاس بيرغ بحد السكين كما أذيع وشاع في مايو من هذه السنة، وقبل أن يجيب القرضاوي على ذلك السؤال الخبيث فهل كان ينتظر فتوى للقتل من جديد؟! ]

وفي مقالة أخرى بعنوان ((شيخنا العزيز يوسف القرضاوي))

[في خطبة اهتز لها المنبر وارتجفت لها الأفئدة ودمعت لها العيون وهللت القلوب لكلماتها وعلت الألسنة لها بالتكبير وقف شيخنا الفاضل الداعية الإسلامي الكبير الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله وأطال لنا في عمره، يلقي درراً يردع بها صغار العقول وعديمي الأخلاق الذين تجرأوا في إحدى الصحف الخليجية وتحديداً صحيفة «الاتحاد» الإماراتية في الهجوم عليه ونعته بأشنع الصفات وأسوأ الكلمات وتحميله مسؤولية قتل الرهينتين الأمريكيين في العراق من قبل جماعة متشددة اختطفتهما مؤخراً هناك..

قال الشيخ القرضاوي ما جعلنا ونحن نتابعه على شاشات التلفزة نكبر ونقول: صدقت أيها الطاهر الإسلامي العفيف صدقت عشت مرفوع الرأس وعشنا نتعلم منك كبرياء الإسلام وعنفوانه خطبت وقلت ما لم يتجرأ أى كائن من كان على قوله ألقيت علينا درساً وددنا لو طال وامتد وزلزل صوتك بكلمات حق كم رغبنا في أن تزيد ولاتقل فمن هؤلاء الذين لم يعرفوا الشيخ يوسف القرضاوي جيداً؟ ومن هؤلاء الذين وصفوا شيخنا الكريم بالأشجار الميتة التي لاتلقي إلا بالأوراق الصفراء؟! خسئتم ثم خسئتم فهل كانت صحافتكم الصفراء لاتروج إلا بمثل هذه الأقاويل وأنتم ما وجدتم مادة حافلة بالحديث حولها مثل شخصية الشيخ يوسف إلا لتأمنوا بيع بضاعتكم الصحفية الرخيصة وترفعوا من أسهم بيعها الذي نزل للحضيض فهنيئاً لداعيتنا الفاضل ثمنه الباهظ الذي نشتريه بأرواحنا فداء وحباً في الله له. وإنني ادعو من عمودي هذا إلى التصدي لأي هجوم مهما بلغت درجة سخافته وتفاهته لأن هؤلاء تحركهم أصابع أعداء الإسلام، وهذه ليس لها إلا القطع والبتر من جذورها، وأدعو صحافتنا القطرية إلى تهميش هذا الهجوم إن لم تجد في قلم أحداً من روادها وكتابها القدرة على الرد وإبقاء هالة الاحترام والتقدير حول شخصية إسلامية بارزة قضت معظم حياتها في خدمة الإسلام والمسلمين، لا أن تبرز هذا الهجوم الرخيص على صدر صفحاتها الأولى وتجعل الجاهل يزداد جهلاً بتصديق الهراء الذي فيه.. أما أنت أيها الشيخ الجليل.. فلتبق الرجل الذي نحب والرجل الذي ندعو له بطول العمر والإنسان الذي نثق به أكثر من أنفسنا.. وإني والله لأحبك فيه.

سبعون طعنة هنا موصولة النزف

تُبدي.. ولاتخفي

تغتال خوف الموت في الخوف

سميتها قصائدي وسمها يا قارئي: حتفي!

وسمني.. منتحراً بخنجر الحرف

لأنني في زمن الزيف

والعيش بالمزمار والدف

كشفت صدري دفتراً

وفوقه

كتبت هذا الشعر.. بالسيف!!

أحمد مطر

ومقالة أخرى نشرتها صحيفة الراية القطرية بعنوان ((لماذا يهاجم الشيخ الكبير؟!!))

[هل دخلنا العصر العجيب الذي يتطاول فيه الصغار على الكبار والتلاميذ على أساتذتهم والأقزام على أسيادهم، إننا فعلاً في الزمن العجيب الغريب! وإلا لماذا يهاجم علمائنا وشيوخنا الأجلاء من أولئك الأقزام المغمورين والمشبوهين والمنتشرين في أماكن عدة بحثاً عن الشهرة من خلال تطاول الأقزام منهم على علماء الأمة الكبار والمبجلين، في هذا الوقت الذي تمر فيه الأمة بمحنة يعرفها الجميع، فليس لبعضهم من هم إلا الدعوة للتخلي عن عادات المجتمع وثقافته الاجتماعية والإسلامية حتى وصل بهم الأمر للهجوم على شيخنا الجليل المشهود له بالاعتدال والنزاهة في القول والعمل، فماذا يريد هؤلاء؟! ومن خلفهم؟! وما هي أفكارهم التي جعلتهم يفرغون أنفسهم لشيخنا الجليل وكأنه لم يعد لهم هم في هذا العالم كله سوى القرضاوي!!

فمن يتجاوز حدود اللباقة والحوار مع شيخ جليل في وزن الشيخ القرضاوي الكبير سناً ومقاماً وعلماً -يوسف القرضاوي يحفظه الله- يعتبر أيضاً تجاوزاً على المسلمين كافة لأن الشيخ القرضاوي هو من أكثر علماء المسلمين علماً واعتدالاً ومرونة، وقد أفني عمره وقدم عصارة علمه وفكره الكبير لخدمة أمته الإسلامية في كل مكان من بقاع الأرض منذ أن عرفته الأمة الإسلامية.

فهل من الخلق والأدب أن يجازي شيخ جليل كبير في المقام والعلم والسن مثل القرضاوي بهذه الطريقة الهجومية المشبوهة من بعض أبناء الأمة الذين يبحثون عن الشهرة من خلال تهجمهم عليه بكل سفاهة ووقاحة حتى وصل بهم الأمر أن يحرضوا ويطالبوا أعداء الأمة بمحاكمته فيما يرتكبه غيره! ما هذا الجنون الذي وصل إليه بعض أبناء الأمة سامحهم الله وهداهم وأصلح أمرهم.

فهل بهذه الطريقة اللاأخلاقية نسي هؤلاء أن الشيخ الجليل يوسف القرضاوي هو من أكثر علماء المسلمين اعتدالاً وعلماً وخلقاً في هذا العصر، بل هل نسي هؤلاء أنه شيخ كبير في العمر، بل هل نسوا أنه انسان من حقه أن يصيب ويخطيء في هذا العمر الكبير ويصحح خطأه إذا كان في الأصل أخطأ -مثله مثل كل البشر فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون - بل الأدهي من كل ذلك أليس هم بشر خطاؤون وأكبر أخطائهم هي طريقة وأسلوب هجومهم غير المبرر على الشيخ القرضاوي! الله أكبر ما هذا الذي يحدث للشيخ الكبير من بعض أبناء أمته؟!

يقول الشاعر:

لن يسلم الشرف الرفيع من الأذي     حتي يراق علي جوانبه الدم]

ومقالة أخرى نشرتها صحيفة الوطن القطرية بعنوان ((القرضاوي إمام التيار الوسطي الإسلامي))

(...ليس غريبا أن يتعرض داعية عالمي في قامة القرضاوي إلى هجوم شرس من أي وسيلة إعلام أميركية أو صهيونية تضمر كل مفردات الحقد والتعصب والكراهية للإسلام وللمسلمين أئمة ومأمومين، لكن الأمر الغريب وغير الطبيعي وغير المبرر اطلاقا أن تتبنى صحيفة عربية مسلمة هذه الحملة الشرسة خاصة أنها تحمل اسما عزيزا على قلوب كل شرفاء الأمة العربية الاسلامية وهو «الاتحاد»، وتصدر من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تسكن في سويداء قلوبنا وأعماق أفئدتنا، ومن هنا منبع ألمنا «وتقززنا واشمئزازنا».

ولو لم نعرف مسبقا أن «الاتحاد» هي مصدر الافتراء والتجني على أستاذنا القرضاوي لما شككنا لحظة في أن مصدر ذلك صحيفة «معاريف» الصهيونية مثلا، أو الـ «نيويورك تايمز» الأميركية أو ما شابههما من الصحف الضليعة في كراهيتها للإسلام وللمسلمين وللعلماء والأئمة والدعاة الى الله على بصيرة، ومن جملة علامات الاستفهام المنفرجة أمامنا: لماذا تجاهلت صحيفة الاتحاد المؤتمر الصحفي الذي عقده أستاذنا القرضاوي في التاسع من شهر سبتمبر الجاري، ونفى خلاله ما نسب اليه زورا وبهتانا بوجوب قتل المدنيين الأميركيين في العراق مشيرا فيه إلى أن أقواله في هذا الصدد تم تحريفها، كما أكد أن المدنيين لا ذنب لهم في الحرب على العراق ولا يجوز قتلهم سواء كانوا من الأميركيين أو غيرهم‚ ودعا كذلك إلى إطلاق سراح جميع الرهائن المختطفين بالعراق؟ .........

هذا جانب من عطاء القرضاوي الذي لمسناه ونلمسه في حياتنا منذ أكثر من ربع قرن، هي مدة مكوثنا على أديم هذه الأرض الطيبة، وإنى وتالله أعجب أشد العجب، واعتب أشد العتب على صحيفة عربية تضع الإمام القرضاوي ضمن قائمة «شراذمة المتأسلمين»! يا للعجب ‚‚ يا للعيب ‚‚ يا للأسف‚ وإذا افترضنا انه من هذه القائمة -وهو لم ولن يكون - فمن حقنا ان نتساءل: أين إذن هم الأئمة المسلمون الحقيقيون؟ لماذا لم نسمع أصواتهم ومواقفهم «الشجاعة» في قضايانا المصيرية الراهنة؟ أين هم الشرفاء من علماء المسلمين إذا لم يكن القرضاوي أحدهم بل أبرزهم؟! ومن هم «الشراذمة المتأسلمون» الآخرون الذين شملتهم قائمة «الاتحاد» بتصنيفاتها الغريبة والعجيبة؟! أين العلماء المنزهون الذين تضعهم «الاتحاد» في قائمة الشرف والمثالية؟

....... لقد كرَّس إمامنا حياته في خدمة الاسلام والمسلمين، وبرغم تقدم عمره المديد إن شاء الله تعالى، ووهون عظمه، واحدوداب ظهره، وابيضاض شعره، فما برح يعطي ويعطي ما استطاع للعطاء سبيلا، يهبط دوحة الخير التي تظلله من وهج الشمس العربية الحارقة مقيما في أحضان أسرته القرضاوية الصغيرة المترعة بسمو الأخلاق وفضيلة العلم واستقامة السلوك، وفي أسرته القطرية العربية الكبيرة حتى إذا ناداه مناد في أي صقع على ظهر الأرض لبى النداء، طالما كان في صالح الاسلام والمسلمين، فيهبه ربه العزيمة والجلد والسداد.

لم يكن الإمام القرضاوي واحدا من أولئك العلماء المتحجرة أفكارهم، الساكتة همتهم، النائمة عزائمهم، ممن يتكئون على النصوص والآراء التي صاغها أمثالهم في فجر الاسلام، فخلدوا إلى النوم على مخادعها، لا يسعون إلى التجديد برغم تجدد الحياة والناس، تتيبس عروق أدمغتهم في القرن الهجري الأول بينما هم يعيشون في القرن الواحد والعشرين!

لم يكن إمامنا أحدهم ‚‚ بل كان دائم الوعظ والارشاد وهو يقف على رأس الجبل صائحا فيهم وفي غيرهم: الوسطية ، الوسطية يا قوم.

........وتساءل الكثيرون عن مغزى التقاء هجوم «الاتحاد» غير المبرر لا موضوعيا ولا أخلاقيا ولا زمنيا مع «الهجومات» المتكررة التي يتعرض لها إمامنا الأرفع (ولن أقول الأكبر) من جهاز الموساد الاسرائيلي، الذي هدد مرارا بتصفية القرضاوي جسديا لدفاعه البطولي والدؤوب عن قضية فلسطين وجهاد شعبها الذي ما انفك يقارع الغزاة الصهاينة منذ أكثر من ثمانين عاما،

.......وتكاد لا تخلو خطبة من خطبه أو دعاء من أدعيته من تمجيد شهداء فلسطين وبطولات انتفاضتهم في الوقت الذي يتناسى فيه الكم الأكبر من علماء الدين المسيسين هذه القضية المحورية ويوارون تخاذلهم وهوانهم خلف قضايا ليست ذات بال وتتمتع بنصيب وافر من التفاهة والهامشية.

وأخيرا .. فإنني باسمي وباسم كل المحبين للإمام القرضاوي وعارفي فضله، قراء ومستمعين ومشاهدين ومريدين، ندين ونستنكر ونشجب (عذرا لاستعمال هذه المفردات السياسية الصدئة) كل ما نشرته «الاتحاد» في حقه، معلنين تضامننا معه، ملتمسين بعض العذر لهذه الصحيفة فربما التبس الأمر عليها فاختلط الأمر ما بين علاّمة مسلم اسمه يوسف القرضاوي وحاخام صهيوني يدعى عوفاديا يوسف!

ولا نامت أعين الجبناء.

هيئة تحرير الموقع