من أسباب نجاح الأمة وتقدمها وازدهارها، توقيرها لعلمائها واحترامهم، واجلالهم المكانة التي يستحقونها عن جدارة، فهم قادة الفكر فيها، وملاذها للنجاة إذا اشتدت عليها الخطوب، وتفاقمت من حولها الأخطار، لذلك كان العلماء مقربين من ولاة الأمر، من الخلفاء والحكام، خاصة أولئك العلماء الذين لاتأخذهم في الحق لومة لائم ولايمنعهم من قول الحق مانع، حتى وإن تكبدوا في سبيل ذلك المتاعب والمصاعب، لذلك كان الخلفاء والحكام يهتدون بآرائهم في تصريف شؤون الدولة اعتمادا على علمهم وتفقههم في شؤون الدين واحكامه، بل إن منهم من تولى مناصب هامة في الدولة الاسلامية، متسلحين بما لديهم من علم ومعرفة بشؤون الدين والدنيا.

الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي - أطال الله في عمره- واحد من أولئك العلماء الذين يملكون القدرة على تحدي كل ما يقلل من شأن الأمة أو يؤدي إلى ضعفها، لذلك فهو دائم التصدي لكل الظواهر السلبية التي تعيق حركة التطور في المجتمع، مع تأكيده الدائم على الأخذ بأسباب النصر، ليعود للأمة وجهها المشرق المضيء، ودورها القيادي المرموق، في زمن تكالبت فيه قوى الشر للإساءة للإسلام والمسلمين، ووجد من أبناء الاسلام انفسهم من ارتكبوا من الاخطاء ما أدى إلى تكريس النظرة النمطية الغربية لكل ما يمت إلى الاسلام والمسلمين بصلة قريبة أو بعيدة، فكان الدكتور القرضاوي ولايزال يحذر من خلال مؤلفاته وبرامجه الاذاعية والتلفازية من كل أنواع الممارسات التي تسيء إلى الاسلام والمسلمين، ولم يبخل بماله وصحته في سبيل الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والتأكيد على أن الاسلام هو دين السلام والعدل، والانتماء إلى كل القيم الانسانية الجميلة والرائعة، التي حث عليها هذا الدين الحنيف، وتجسدت في سيرة السلف الصالح، ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين، ومثل هذه الداعية والمصلح الاسلامي الكبير هو الجدير بالتقدير والاعجاب، والدعوات بالتوفيق وطول العمر.

لقد حارب الدكتور القرضاوي الارهاب بجميع أشكاله وألوانه، ودعا إلى اتخاذ كل الوسائل لمحاربته والقضاء على أسبابه، ومعاقبة مرتكبيه، سواء جاء هذا الارهاب من أعداء الأمة التقليديين المعروفين، أو أتي من بعض المنتمين إلى الاسلام والاسلام منهم بريء، فكل الارهابيين سواء في الوسيلة أو الهدف، وإن تعددت مشاربهم واختلفت انتماءاتهم، وهذا الورم الخبيث في جسد الأمة يمده الأعداء بكل وسائل النمو والانتشار، مما يستوجب استئصاله، إن أريد للأمة خيرا، بعد أن اصبحت في بحر متلاطم الأمواج من الاخطار المحدقة، والمؤامرات المعلنة، فلم يعد أمامها سوى الاعتصام بالدين الحنيف، الداعي إلى أمن الأمة وسلامتها، والنجاة إلى بر الأمان.

إن من يعرف الدكتور القرضاوي أو يتابع مؤلفاته وبرامجه الاذاعية والتلفازية يعرف جهوده الدعوية، ومحاربته الدائمة للإرهاب والإرهابيين، وهو في سبيل ذلك لاتنقصه الشجاعة الأدبية، ولا الإيمان بعدالة هذه القضية أو تلك، مما يشغل الأمة ويقض مضاجعها، ويعرقل مسيرتها التنموية، إلى جانب حرصه على الحوار الهاديء المتزن، المقرون بالشفافية والصدق، وتجنب مواطن الزلل، والانتصار لكل القضايا العادلة في العالم، مهما كانت وأينما وجدت، ومن الخطأ الفادح، والخطر الكبير تصنيف العلماء واتهامهم بتأييد الارهاب لمجرد رفضهم لكل ما يسيء إلى الاسلام والمسلمين، فهم دعاته، والمنافحون عن حياضه، والعاملون على تأكيد قوته، وجنوحه إلى السلم، فهو دين السلام أولاً وأخيراً، ومن أجمل معانيه المبادرة بالسلام في قول المسلم لغيره: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

- المصدر: جريدة الراية القطرية