في بعض الأوقات يؤثر الإنسان السلامة لنفسه، حرصاً على البقاء، أو خوفا على الرزق، وإن استساغ الناس هذا الأمر، فإن للدعاة موقفاً مغايراً، ورأياً مخالفاً، والشيخ القرضاوي يُعَرف بالوضوح كل الوضوح وخصوصاً في المواقف الحاسمة التي تحتاج إلى بيان، وتنتظر الأمة فيها أن تسمع كلمة العلماء أنه لا يحب في المواقف الحاسمة اللف ولا الدوران، ولا يلجأ إلى التميع ولا الارجاء، ولكنه يعلنها صريحة وإن كلفه الامر ما كلفه مردداً قول أمير الشعراء:

قف دون رأيك في الحياة مجاهداً  **  إن الحياة عقيدة وجهاد

وعلى نحو ما قال الشاعر:

فإما حياة تسر الصديق  **  وإما ممات يغيظ العدا

إن الوضوح من الشيخ في المواقف الحاسمة مطلوب لأنه عالم من علماء الأمة وإذا لم يظهر العلماء بمواقفهم الحاسمة فعلى الدنيا السلام «وقد قال القائل:

يا أيها العلماء يا ملحَ البلد  **  ما يصلح الملحَ إذا الملحُ فسد؟

إن الشيخ القرضاوي لا يسعه السكوت إذا احتاج الموقف إلى الكلام، ولا يسعه الصمت إذا احتاج الموقف إلى حديث، ولا يسعه التنحي إذا احتاج الموقف إلى مواجهة، وكثيراً ما ينتظر الناس كلمة الشيخ في هذه المواقف الحاسمة.

والحق إن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى رجال تتفتأ الشجاعة من جوانبهم، يصدعون بكلمة الحق أينما كانوا، وقد ضرب الدعاة على مر التاريخ أمثلة رائعة في قول كلمة الحق، ولن ينسى التاريخ سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل وابن تيمية وسيد قطب، وستظل مواقف هؤلاء الدعاة مصابيح هداية للدعاة على مر العصور.

ولله در «الغزالي» رحمه الله حين قال: الدعاة الموظفون لحراسة الإسلام هم جيش للدفاع عن الإيمان، يشبه الجيش الموكل بحراسة الأمن، فإذا لم يكن الداعية المسلم شجاعاً، مطيقاً لأعباء رسالته، سريعاً إلى تلبية ندائها، جريئاً على المبطلين، مغواراً في ساحاتهم، فخير له أن ينسحب من هذا المجال، وألا يفضح الإسلام بتكلف ما لا يحسن من شؤونه ان الرجال الذين جعلوا من أنفسهم لكل عرف شائع، وقانون قائم، ورضوا بأن يحرقوا البخور بين أيدي الحكام لا ينبغي أن يكونوا في عداد الدعاة، وهيهات هيهات أن يكونوا في صفوف العلماء، وقد نشأ الشيخ القرضاوي من صغره على الشجاعة وقول الحق وقد حفظ الدعاة من شعره:

تالله ما الطغيان يهزم دعوة  **  يوماً وفي التاريخ بر يميني

ضع في يد القيد ألهب أضلعي  **  بالسوط ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعة  **  أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يَدَيْ  **  ربي.. وربي ناصري ومعيني

سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي  **  وأموت مبتسماً ليحيا ديني

........

- المصدر جريدة الشرق القطرية