سيدي وأستاذي الشيخ الإمام والعلامة المجدد د. يوسف القرضاوي.. حفظه الله ورعاه.. السلام عليكم والرحمة من لدن الله العزيز الحكيم على قلبك لتكون إمام الهدى في هذا العصر المتلاطم في أحداثه العظام. أعلم يا سيدي مدى الحسرة وعظم المصيبة التي ألمت بك مؤخراً والتي اتضحت من خلال خطبتك الأخيرة في يوم الجمعة الماضية بتاريخ 7/1/2005م . بداية اقول يا فضيلة الإمام: إن آلامك تنعكس على مرايا صدورنا وأوجاعك نراها جلية تتشكل بين أضلعنا وهمومك تقطع نياط قلوبنا..

ولا نقول إلا ما يرضى ربنا - جل في علاه.. وعليك يا سيدي.. بالصبر والحلم والعفو والصفح، فأنت أهل لذلك، والذين يشنعون عليك هنا وهناك لا أمل لهم في الوصول إلى قمتك الشامخة الوارفة الظلال - واسمع يا سيدي إلى قول الله تعالى من سورة المائدة «فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين».

سيدي الفاضل د. القرضاوي يقول المثل العامي يا جبل ما يهزك ريح، أرأيت إلى الجبال في رسوها وثباتها وشموخها؟ هل تتأثر من هبوب الرياح من كل جانب مهما كانت سرعتها وقوتها؟!

دع الأقزام يا سيدي - ينظرون بذهول وحيرة إلى قمة الجبل وهم لا يدركون أبعاده ولا يستطيعون أن يغوصوا في أعماقه وكن دائماً شامخاً في وجه التيارات والنوازع المريبة والمتشككة والمشككة في نفس الوقت، فهذا ديدنك وعهدنا بك دائما.

وحسبك - يا إمامنا - أنك سائر على طريق النبوة، فالرسول عليه الصلاة والسلام، أوذي في كل شيء وتطاول عليه أمثال هؤلاء الذين يمدون ألسنتهم عليك بالسوء من القول، أوذي صلى الله عليه وسلم منهم:

حتى في عرضه وشرفه وأهل بيته عليه أزكى الصلاة والسلام فصبر واحتسب ووكل الأمر إلى الله - تعالى- فنصره الله عليهم.

يقول عز من قائل: «قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله..»

إمامنا وأستاذنا الجليل أعلم أن كلامك كلما لامس أذني وقر في سويداء قلبي، وزادني يقينا وثباتا وتصديقا بموعود ربنا - عز وجل - فالله تعالى يتولى الصالحين من عباده، وهو وكيلهم والمدافع عنهم وناصرهم في الدنيا والآخرة، «إن الله يدافع عن الذين آمنوا» ويقول تعالى: «إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد».

وبمناسبة ذكر الثبات والازدياد من الإيمان كلما سمعنا كلامك البليغ المؤثر، وكلما أبصرنا طلعتك المهيبة المشرقة، أقول: إن ذلك يذكرني بمقولة الإمام ابن القيم _ رحمه الله _ في أيام الفتن والمحن عندما كان يجالس هو وأصحابه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية _ رضي الله عنه_ فيقول ما معناه: أنهم كانوا يزدادون ثباتا على ثباتهم ويقينا على يقينهم لأنهم يرون إمامهم وقدوتهم راسيا صلبا لا يهتز له جفن ولا تلين له قناة في مواجهة أعدائه وخصومه الكائدين.

سيدي الإمام المجدد كما يقول علماؤنا _ لا تنال الإمامة في الدين إلا بالتقوى والصبر قال تعالى على لسان الصديق يوسف _ عليه السلام _ «انه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين».

ولعل الله تعالى جعل من حكمته في الابتلاء والتمحيص: أن يترك الأفاكين ويرخي لهم العِنان ليفتروا على أولياء الله _ جل جلاله_ يقول المصطفى _ صلى الله عليه وسلم _ في الحديث القدسي: «من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب» ويقول تعالى في محكم التنزيل: «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون» فدع القدر وسنن الله _ تعالى_ تأخذ لك وللمستضعفين في الأرض حقوقهم وترد لهم اعتبارهم.

ثم هناك نقطة أخرى وهي أن الله تعالى بجلاله وعظم قدره وجبروته و كبريائه لم يمنع _ وهو القادر سبحانه _ أصحاب الألسن الجريئة والمتطاولة على ذاته العلية _ جل في علاه _ لم يمنعهم أن يفعلوا ذلك، وترك حسابهم ليوم تشخص فيه الأبصار، يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم سييء.. فقالوا: إن لله شركاء.. وقالوا: إن له ولد.. وانه اتخذ الملائكة إناثا.. وقالوا هو ثالث ثلاثة، وأن عيسى ابن الله، وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا وقالوا «إن الله فقير ونحن أغنياء» فلم يمحقهم ولم يعجل لهم العقوبة، بل أمهلهم إلى مصيرهم المحتوم من يوم الدين، وذلك جزاء الظالمين.. سيدي يامجدد عصرنا: إن العظماء في هذا العالم وفي تاريخ البشرية كانوا ولا يزالون وسيظلون إلى ما شاء الله، هدفا لسهام العابثين والحاقدين المسمومة.. واسمع إلى قول القائل: اصبر على كيد الحسود.. فإن صبرك قاتله، فالنار تأكل بعضها: إن لم تجد ما تأكله.

ويقول آخر:

ألا قل لمن بات لي حاسداً     أتدري على من أسأت الأدب؟

اسأت على الله في صنعه     بأنك لم ترض لي ما وهب

فكان جزاؤك أن خصني     وسد عليك طريق الطلب

نوصيك يا سيدي بما أوصى به الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال عز من قائل: «واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين» وأدعو إلى الله تعالى في الختام، وهو خير مسؤول وأكرم مأمول: أن يجعل لك ولنا وللمسلمين ولكافة البشر المغلوبين والممتحنين من عسرهم يسراً، وأن يبد لنا من ضيقنا فرجا، وأن يجعل لنا من كل هم مخرجا، وأن يجعل يوم البشرية خيراً من أمسها، وغدها خيرا من يومها، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يكفينا وإياهم شر الأشرار وفجور الفجار وظلم الكفار، وأن يكفينا وإياهم بما شاء وكيف شاء. إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

تلميذك: أحمد أبو بكر آل مصلح

- المصدر: جريدة الشرق القطرية