إيان جونسون

في السنة الماضية، كتبت امرأة مجهولة الاسم رسالة بدون توقيع إلى اجتماع ضم مفكرين مسلمين في بلدة صغيرة بالقرب من لندن. وكانت لديها مشكلة، فقد كان زوجها مدمناً على الكحول، وفي سورة سكر طلقها وفقاً للشريعة الإسلامية، مردداً العبارة المعروفة: "أنت طالق بالثلاثة"، فهل كان الطلاق نافذاً؟

لقد شغلت مثل هذه الأسئلة المفكرين المسلمين منذ ولادة الدين قبل أكثر من أربعة عشر قرناً خلت. وعلى نحو غير عادي، فإن تأويل الشريعة أو القانون الإسلامي قد ظل سائداً في أراضي الإسلام. لكن سؤال المرأة كان مختلفاً، حيث تقيم المرأة في فرنسا، وهي البلد غير المسلم الذي يحكمه قانونه الخاص. كما أن الجواب عن سؤالها، والذي يتخذ شكل الفتوى أو الرأي الديني يتعارض مباشرة مع مواد القانون الفرنسي.

"إن المذاهب الإسلامية الأربعة (في الاجتهاد) تعتبر ما حدث في هذه الحالة طلاقاً بائناً لا رجعة عنه". هكذا كتبت الجماعة التي ضمت 34 عضواً، والمعروفة بالمجلس الأوروبي للأبحاث والإفتاء في حكم تم بثه على الموقع الإلكتروني للجماعة هذا العام. وقد أضاف رأي الجماعة أن الزوج ربما كان غاضباً، "ولكن ليس إلى الحد الذي يجعله غير واع لما قاله، لأنه عندما سئل لاحقاً أعاد ما كان قاله مسبقاً".

يبدو المسلمون في كامل أنحاء أوروبا متعطشين للإرشاد والنصح عن الكيفية التي يمكن لهم وفقها أن يندمجوا في المجتمعات التي يعيشون فيها بينما يظلون على ولائهم لمعتقداتهم. وتتراوح أسئلتهم ما بين النوع المعقد من قبيل: "هل يمكن لي أن أدفع وفق نظام يقوم على الفائدة، والمحظور في الإسلام؟" وبين النوع الدنيوي العادي من قبيل "متى تقام صلاة المغرب خلال فترة الانقلاب الشمسي في اسكندنافيا، حيث لا تغرب الشمس؟" وفي الرد على ذلك، فإن المجالس والبرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية قامت بإصدار فيض من الفتاوى الهادفة إلى مساعدة سكان تخوم الإسلام الجديدة، أوروبا.

وكما تبين للمرأة الفرنسية، فإن كل هذا الجبل من النصائح قد جرى حرفه بقوة تجاه تأويلات للإسلام والتي يمكن أن تجعل من اندماج المسلمين أكثر صعوبة وليس أسهل. ويمكن للمنظمات الممولة على نحو جيد والتي تقع قواعدها في الشرق الأوسط أن تتزعم الحوار الدائر في أوروبا، وأن تدعم المفكرين الذين يبدون تفهماً قليلاً للمشكلات التي تواجه المسلمين الأوروبيين. وتتعارض بعض النصائح مع القوانين المحلية، خصوصاً في مسائل الزواج والطلاق. وحتى في سياق إسلامي، فإن الكثير من النصائح يقوم على إصدارها خبراء عينوا أنفسهم بأنفسهم ذوو أرضيات ضحلة في القانون الإسلامي. ويقول خالد أبو الفضل، وهو بروفيسور في القانون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أصبح الإسلام "ملعباً للأفكار الرثة وأصحاب الشعارات السياسية والديماغوجيين الأيديولوجيين".

لعل أكثر الجهات تأثيراً في عملية صياغة القواعد الإسلامية في أوروبا هو ما يعرف بالمجلس الأوروبي للفتاوى والدراسات. وقد أقامته منظمة ومفكرون على تحالف وثيق مع الإخوان المسلمين، وهم حزب إسلامي* والتي طالما اخترقت الحياة الإسلامية في مصر. ويتلخص هدف المجلس المعلن في مساعدة المسلمين على الاندماج في أوروبا عن طريق عرض رأي ديني معتدل. وتذهب بعض آرائها إلى شيء من قبيل: على الرغم من النقد الذي يوجهه الكثيرون من المفكرين في الشرق الأوسط، فقد أصدرت رأياً يسمح للمسلمين الأوروبيين بشراء بيوت بالرهن، وهو ما يحظر عادة بسبب الحظر الإسلامي التقليدي على التعامل بالفائدة.

ويسيطر على الجماعة أيضاً أناس من الخارج، والذين يمتلكون فكرة صغيرة عما هو مقبول في الغرب. وفي إحدى الجلسات التي حضرها أحد مراسلي وول ستريت جورنال، قرأ أحد الأعضاء "بروتوكولات حكماء صهيون"، وهي الوثيقة الشهيرة التي تم تزويرها في روسيا القيصرية، ضمن ورقة تتحدث عن الكيفية التي تعاني فيها العائلات المسلمة من التهديد الأوروبي. وقال المتحدث إن تلك البروتوكولات تشكل دليلاً على أن اليهود يتآمرون على إفساد القيم الأخلاقية الإسلامية من خلال الإباحية الجنسية.

يمثل مؤسس المجلس، يوسف القرضاوي الصوت المعتدل، حيث يشجع المسلمين الأوروبيين على المشاركة في الحياة السياسية للبلدان التي يعيشون فيها ويقول بضرورة السماح للنساء بالعمل. وكان قد أدان العمليات الانتحارية في الغرب مثل تلك التي حدثت أخيراً في لندن. كما أصدر فتاوى تؤيد الهجمات الانتحارية ضد المدنيين في إسرائيل وضد القوات الأميركية في العراق. وكان قد دافع عن عقوبة الإعدام وفق قانون الشريعة الخاص بالشاذين جنسياً حين كتب: "بينما تبدو هذه العقوبات قاسية، فقد تم وضعها للحفاظ على نقاء المجتمع الإسلامي والإبقاء عليه نظيفاً من العناصر المارقة". وقد رفض السيد القرضاوي طلبات متكررة للتعقيب.

تشكل الفتاوى جزءاً من القضايا الأوسع المتعلقة بكيفية تكييف الإسلام مع أوروبا. وقبل بضعة عقود، كان الإسلام الأوروبي من اختصاص بضعة تجار ومبشرين. لكن موجات متعاقبة من المهاجرين غيرت هذا الواقع حتى أصبح الآن أكثر الأديان نمواً على مساحة القارة، حيث يضم خمسة عشر إلى عشرين مليوناً من المشايعين المتمركزين في حفنة من البلدان. ويبدو الكثير من المسلمين وكأنما قد اندمجوا في أوروبا. ولكن عدداً غير قليل منهم لا يزالون يتساءلون إذا ما كان يمكن لهم أن يعيشوا كمسلمين صالحين في مجتمعات تسيطر عليها أديان أخرى بعقائد مختلفة. وبالنسبة للبعض، فإن النصائح التي يحصلون عليها تفضي إلى استنتاج لا مهرب منه: ينبغي لهم أن ينأوا بأنفسهم عن الغرب وأن يبنوا مجتمعات لا تطبق فيها الأعراف الغربية.

وحتى لو لم تدع الفتاوى إلى العنف، فإنها يمكن أن تعبد الطريق إليه بتقديمها وصايا ترسم صورة كاريكاتورية للغرب على أنه منحل وفاسد. وفي مدينة ليدز الإنجليزية، تلقى الانتحاريون إلهامهم من أيديولوجيات مستوردة، والتي تنظر من الأعلى إلى الغرب وتمجد "الشهادة". ويأتي التلقين عادة في أوساط الإرهابيين من كتب وأفلام فيديو ومبشرين زائرين، والتي تقول بأن الجهاد العنيف ضد الغرب هو الإجابة الوحيدة على مشكلات المسلمين.

ويأتي البحث عن سلطة دينية بين المسلمين الأوروبيين بينما فعلت الدول الأوروبية القليل لدمج مهاجريها الجدد. كما توجد في الغالب معايير مزدوجة، حيث تقدم التعاليم الدينية واليهودية مثلاً في المدارس الألمانية العامة، بينما لا تدرس تعاليم الإسلام. وتقول السلطات أن ذلك ناجم عن كون الإسلام يضم كثيراً من الاتجاهات والفرق بحيث لا يتسنى لهم معرفة أي الجماعات يختارونها لتقديم الدروس. ومع ذلك، فالنتيجة هي أن الأوروبيين المسلمين قد تركوا لجماعاتهم المختلفة لتقرر ما هو السلوك الإسلامي المناسب.

وتنعكس هذه الصراعات في كامل أنحاء العالم الإسلامي، حيث تنهار الأشكال التقليدية من السلطة الدينية بينما يصبح الناس أفضل تعليماً بحيث يقررون بأنفسهم كيفية تأويل القرآن وأقوال النبي. وهو ما يؤدي إلى إضعاف قدرة الدول الاستبدادية على استخدام الدين في إحكام السيطرة على مواطنيها. ولكن الاضطراب الحاصل في أوساط المسلمين الأوروبيين يشي بأن فقدان التراث لا يعني التحديث بالضرورة. وبدلاً من ذلك، فإنه كثيراً ما يهيئ المشهد لنشاط شكل جديد من الدين يكون أحدّ نبرة، دين يمكن له أن يكون أقل تسامحاً مع أي أحد آخر، بما في ذلك المسلمون العاديون الذين لا يسيرون وفق رؤية هذا الشكل من الدين للإسلام.

منذ أن تأسس في القرن السابع، أصبح الإسلام ديناً ذا قواعد تحدد ملامح الحياة اليومية. وأصبح لدى المسلمين تعليمات تحدد طعامهم وصلواتهم إلى جانب تعاملاتهم المالية، وقوانين الزواج والعقوبات الجرمية وأشكال أزيائهم.

إن تأويل مثل هذا النظام المعقد للحياة قد وقع على عاتق الخبراء الذين يقدمون النصح للمؤمنين العاديين. وبالنسبة للغربيين، فإن أكثر الفتاوى شهرة والتي صدرت عن المرشد الروحي الإيراني الأعلى آية الله الخميني عام 1989 ضد الكاتب البريطاني سلمان رشدي. لكن معظم الفتاوى مع ذلك إنما تتعلق بالمسائل العادية مثل الزواج والطلاق والملابس والصلاة. ولا تعتبر الفتاوى ملزمة، لكن السائل يرى إلى الفتوى وكأنما صدرت باسم الله، وهكذا فإنها عادة ما تؤخذ على محمل الجد.

عبر معظم تاريخية، جرى تجريد الإسلام من مركزيته. ولم يكن لطائفته السنية السائدة زعيم روحي واحد ، بما يشبه بابا الروم الكاثوليك، والذي يستيطع أن يصدر قواعد فيما يخص الأسئلة اللاهوتية والأخلاقية والسلوكية. وهكذا فإن الآراء الدينية عادة ما تأتي من السلطات المحلية، مثل إمام الحي، وتكون مبنية على سؤال محدد من فرد بعينه ولا تمثل قواعد كونية. وقد مثل ذلك تاريخياً واحدة من نقاط قوة الإسلام، وعلى نحو سمح له بالامتداد إلى ثقافات شديدة التنوع في جميع أنحاء العالم.

واليوم، أحكمت معظم دول الشرق الأوسط سيطرتها على صناعة الرأي الإسلامي. وفي مصر وتركيا، على سبيل المثال، تعتبر مجالس الفتوى جزءاً من الجسم الحكومي. كما أن بعض هؤلاء الخبراء المعروفين بالمفتين يشرفون على الرأي الديني في بلدانهم.

أما أوروبا، فهي مختلفة. إذ ليس في أي بلد نظاماً وطنياً لتأويل التشريع الإسلامي. ولعقود عديدة، ظل افتقار أوروبا إلى السلطة الدينية يجعلها تحظى بالقليل من عناية الإسلاميين. وقد اعتقد الكثيرون منهم أن أوروبا لم تكن تمثل جزءاً من العالم الإسلامي، وكان استنتاجهم بسيطاً: يجب على المسلمين ببساطة أن لا يقيموا في الأجزاء غير الإسلامية من العالم لأن من المستحيل على المرء أن يعيش هناك حياة إسلامية حقيقية تكون على وفاق مع الشريعة الإسلامية.

لكن شيئاً جديداً بدأ في الثمانينيات والتسعينيات حيث تم القبول بأوروبا بوصفها جزءاً من العالم الإسلامي. وقد جعل العدد المتزايد من المهاجرين المسلين إلى أوروبا من المستحيل تجاهلها، وهو ما تضمن أن على المسلمين هناك العيش وفقاً للشريعة الإسلامية. ولكن، كيف؟!

يقول البروفيسور فضل، وهو خبير بارز في الشريعة الإسلامية: "لقد حدث هناك الكثير من الارتباك إزاء ما يمكن أن يعرف بالتحديد على أنه إسلامي. هل يكفي العثور على اقتباس ما من أقوال النبي؟ أيكفي القول "بسم الله الرحمن الرحيم؟" ما هي المقاييس؟".

المؤسس

إن الرجل الذي يحاول إعادة تعريف الشريعة الإسلامية الأصولية وتوسيع نطاق تأثيرها هو السيد القرضاوي الذي أسس مجلس الفتاوى الأوروبي. وكان السيد القرضاوي قد صنع اسمه في الستينيات بنشره واحداً من أكثر الكتب الإسلامية ترجمة وإعادة طباعة، يتحدث فيه عن الحلال والحرام في الإسلام، الذي يضم سلسلة مما يمكن للمسلم أن يفعله وما لا يجب أن يفعله. وقد بنى على ذلك بإنشاء اثنين من أكثر المواقع الإسلامية شعبية في أنحاء العالم، كما أنه يكون ضيفاً على برنامج فتاوى أسبوعي في قناة الجزيرة الإخبارية ذات الشعبية الكبيرة والناطقة بالعربية. ومنذ فترة قريبة، قام بإنشاء مجموعة دولية من المفكرين الدوليين للعمل على تجاوز المحددات الوطنية في العالم الإسلامي، وهو ما يمثل تحدياً مباشراً للسلطات الدينية في العربية السعودية، والتي ترى إلى نفسها بوصفها حارساً للمعايير الإسلامية.

إن "دولية" السيد القرضاوي تنسجم تماماً مع مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر قبل ثمانين عاماً من الآن وانتشرت في كافة أرجاء العالم الإسلامي. وهي تروج باتجاه إسلامي عام يمكن له أن يحتضن الجميع وشجعت الإصلاحيين، ولكنها شجعت المنظمات الإرهابية في الوقت ذاته. والسيد القرضاوي هو مصري كان ينظر إليه في وقت ما على أنه مرشح بارز لقيادة الجماعة، ولكنه فضل البقاء في قطر حيث يتمتع بحرية التعبير عن رأيه والسفر في أنحاء العالم محرزاً المزيد من التأثير. ويطلق مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والمقيم في القاهرة على القرضاوي لقب "أستاذنا".

تقول بتينا غراف التي تدرس السيد القرضاوي في مركز برلين للدراسات الشرقية الحديثة، وهو مركز رائد أنشأته الحكومة الألمانية: "إنه يعيد خلق نسخة معاصرة من المجتمع الإسلامي على الكوكب، ويراقبه الناس في مكة وكل الأماكن الأخرى بانتباه شديد". وينظر إلى السيد القرضاوي في كافة أرجاء العالم الإسلامي على أنه قوة داعية إلى التحديث، حيث تعمل بناته ويقدن السيارات، وهو يوجه النقد إلى واقع غياب الديمقراطية في الشرق الأوسط. ويتحدث المسؤولون في وطنه الجديد قطر عن إسهاماته الإيجابية، متفاخرين بأنه يبلغ من التأثير حداً يماثل تأثير مكة.

في العقد الماضي، عمل على أن يوجه تأثيره إلى أوروبا. وفي مجمع للشقق السكنية في القاهرة على سبيل المثال، تعمل جماعة من الشبان على أجهزة حاسوب من نوع "كومباك" وهم يعملون في "دائرة الشريعة" في موقع "إسلام أو لاين" التابع للسيد القرضاوي. ويرأس الدائرة علي الحلواني، وهو شاب في الرابعة والثلانين من العمر ذو شارب رفيع وإنجليزية لا غبار عليها. ويقول أن فريقه قد أرسل أكثر من ثلاثة آلاف فتوى إلى كافة أرجاء العالم، وكلها متوفرة بالعربي والإنجليزية على موقع "بنك الفتاوى" الذي يمكن دخوله بمحركات البحث.

ويقول بأن الكثيرين ممن يطرحون الأسئلة هم من المسلمين الأوروبيين الذين لا تساورهم الشكوك إزاء كيفية تطبيق الشرع الإسلامي. ويقول السيد الحلواني: "إننا لا نقصد إلى أن نحل محل الأئمة في البلدان الغربية، فهم أكثر معرفة في الظروف المحلية. ولكننا نقصد إلى دعمهم وأن نكون مصدراً لهم، حيث يمكن لهم البحث عن الفتاوى واكتساب الأفكار".

كما هو الأمر دائماً في حالة مغامرات السيد القرضاوي الأخرى في الغرب، فإن معظم نصائح موقع "إسلام أون لاين" تأتي من المفكرين المقيمين في الشرق الأوسط وليس في الغرب. كما أن مجلس الفتاوى أيضاً يتشكل في أساسه من هذا الجزء من العالم، رغم أن القرضاوي كان قد صرح إبان تأسيسه عام 1997 إنه أراد من معظم مفكريه أن يقيموا في الغرب بحيث يمكن لهم تحصيل فهم أكبر لمشكلات المسلمين هناك.

يشكل المجلس جزءاً من سلسلة من المنظمات التي تروج لأيديولوجيات قريبة من أطروحات جماعة الإخوان المسلمين عبر كامل أوروبا. وكان السيد القرضاوي قد أطلقه بالارتباط مع اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وهي جماعة تشكل مظلة الجماعات ذات التوجه الفكري المتشابه عبر القارة.

وعلى عكس مشاريع السيد القرضاوي التلفزيونية وفي حقل الإنترنت،  فإن المجلس يتوجه نحو صناع الرأي من الأئمة الذين يديرون المساجد والمسؤولين في المنظمات الدينية. ويرعى المجلس عقد دورات تدريب للأئمة، حيث يجري تفسير القواعد الفقهية التي يصدرها. وكل تلك القواعد متوفرة على الشبكة الألكترونية بالعربية والإنجليزية على موقع المجلس الخاص أو على موقع "إسلام أو لاين".

يجتمع المجلس عادة مرتين في العام، وتكون جلساته مغلقة في وجه الجمهور، لكنه سمح في السنة الماضية لأحد الصحفيين بحضور بعض الجلسات عندما كانت القضايا الجوهرية قد تم نقاشها وكانت الأوراق المهمة قد قدمت. وقد عقدت تلك الجلسة في بلدة واتفورد الصغيرة، والواقعة في ضواحي لندن.

اجتمع ستون شخصاً في غرفة الاجتماعات في "رمادا إن"، بمن فيهم خمسة وثلاثون عضواً من المجلس، معظمهم من الدول الشرق أوسطية، وحوالي خمسة وعشرين مراقباً، بما فيهم أعضاء من الأئمة. وقد ارتدى الجميع تقريباً الزي التقليدي، مثل الأثواب البيضاء التي ارتداها الوفد السوداني. ويقول أعضاء من الجماعة أن السيد القرضاوي يمتلك القول الفصل فيما يتعلق بالفتاوى، وأنه استمع بانتباه لأوراق الرأي الرتيبة التي لخصت وجهات النظر المتشددة للمجموعة.

بينما كان يرتدي رداء قطنياً طويلاً ويضع على رأسه قبعة حمراء أحاط بها قماش أبيض ملتف، ظل وجهه يحتفظ بتعبير حازم بينما كان الأعضاء الذين يتحدثون بالعربية يشرحون كيف تتعرض الأسرة المسلمة في أوروبا إلى الهجوم.
قال أحمد علي الإمام، وهو شخصية دينية سودانية يدعو إلى تطبيق الشريعة في بلده المنجرف نحو الدين: "إن القوى الأصولية المتطرفة القائمة على العداء من جانب التحالف الصليبي الصهيوني في الغرب هي الآن في طور تحضير ثقافتها الاستراتيجية طبقاً لموجة جديدة من التوجهات العلمانية".

وقد قبلت أوراق أخرى بالأعراف التقليدية التي تتعارض مباشرة مع القانون والمجتمع الغربيين، خاصة فيما يتعلق بشؤون المرأة والزواج. إذ يجب على النساء قص شعرهن فقط بإذن الزوج، و"أي امرأة تتزوج بدون موافقة الولي الذكر، فإن زواجها يعتبر غير شرعي"، كما أوضح محمد الهواري، وهو عضو الجماعة التي مركزها ألمانيا. وفي بعض الأحيان تبدو توصيات الجماعة وكأنما تستهدف مسلمين من حقبة أخرى. وقد كتب السيد الهواري في إحدى الأوراق: "يجب أن يأكل الأولاد طعاماً نظيفاً وأن يشربوا ماء نظيفاً، ويجب أن لا يتبولوا في الآبار". وأضاف بان التبني قد منع لأن المرأة قد يراها بغير ثوب طفل من غير صلب زوجها. وإذا ما تم تبني طفل، فإنه يجب أن لا يُمنح نفس الحقوق التي يحظى بها الأطفال البيولوجيون. وقد رفض السيدان الهواري والإمام، مثل السيد القرضاوي، التعليق على هذه المقالة.

بعض أعضاء المجلس يقولون أن السيد القرضاوي ربما لا يكون أفضل وجه جماهيري للمجموعة، رغم أن سمعته وشخصيته هما اللتان خلقتا المؤسسة. وكان أحد أعضاء الجماعة، وهو مصطفى سيريس مفتي البوسنة الأكبر، ان المجلس يعكس الصعوبات التي يواجهها مسلمو أوروبا في معرفة المعايير التي تنطبق عليهم: "إننا في طور التحول، حيث نعيش في أوروبا ولكننا نفكر بإسلام مجرد".

رسالة خاطئة

بالنسبة للكثيرين في القواعد، تبدو الرسالة وكأنما بطبقتين: حيث تقول بأن المسلمين يحتاجون إلى قواعد خاصة ليتكيفوا بها مع المجتمع الأوروبي، وتقول أيضاً بأن أي شخص يحتفظ بنسخة من القرآن وأقوال الرسول يمكن أن يكون مفتياً. وقد اتضحت الفجوة مع المجتمع الغربي في مسجد بلال في برلين مؤخراً عندما قام رجل دين معروف هو عامر زيدان باجتذاب نحو مائة مستمع لحديث عن القانون الإسلامي. وبعد ذلك احتشد الرجال حول السيد زيدان وهم يطرحون أسئلة قلقة، خاصة فيما يتعلق بحظر الشريعة للتعامل بالفائدة. ولو حملت تلك القواعد إلى نتيجتها المنطقية، فإنها تلغي الرهن والتأمين على الحياة والكثير من خطط التقاعد.

سأل شخص في الخمسينيات إذا ما كان بوسعه أن يشارك في برنامج جديد للتقاعد كانت تدعمه الحكومة الألمانية. وهو يقوم على الفائدة المركبة وهو طوعي، لكنه يعتبر في حقبة يسودها انكماش المنح الحكومية فكرة جيدة قدمها خبراء التمويل الشخصي. وقد جلس السيد زيدان على الأرض وتقمص دور المفتي، وشرع في سؤال الرجل عن خصوصيات حالته. وبعد مناقشة مستفيضة مع الرجال الآخرين في الغرفة، أطلق السيد زيدان حكمه الشرعي: الدفعات التي دفعها الرجل كانت "حلالا"، أما الفائدة فهي "حرام". وقال الرجل: "اقتطع الفائدة التي ترتبت وارفض قبولها".

وقد جلس السائل ساهماً لبرهة، فبدون فائدة، لن تقدم الخطة له العوائد التي يحتاجها للتقاعد. ثم هز رأسه وقد اعتراه القلق من النصيحة التي سمعها للتو. وعندما جرى الاتصال به بعد أسابيع من ذلك، قال أنه قرر الإمساك عن خطة المنح، وأن يستغل مدخراته في مساعدة ابنه على شراء منزل. ويقول: "إن أبنائي هم تقاعدي".

بعد أن غادر السيد زيدان، التقطت مجموعة من الشبان فكرة الشريعة الإسلامية. وكانوا في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهم، ولدوا في ألمانيا لآباء من المهاجرين، ويدعون كلهم بأسمائهم الأولى لأن الألقاب بدعة غربية كما يقولون.

يسمى أحدهم محمود. وهو فلسطيني يبلغ عمره تسعة وعشرين عاماً ويناضل ليجد له دوراً هنا. وهو طويل ومثقل بشعر منسدل على ظهره، ويعمل في تنظيف المباني، حيث يمثل ذلك العمل أفضل المتاح لمن هو حاصل على شهادة المدرسة الثانوية الأساسية. ومثل الأعضاء الآخرين في المجموعة، فإنه على معرفة بفتاوى مجلس السيد القرضاوي ويقوم بزيارة المواقع الألكترونية من أمثال "إسلام أو لاين"، وتعكس آراؤه تلك التأثيرات مع رغبة في الانسجام، لكن هناك شعوراً كامناً بعدم التسامح مع الآخرين.

بدأ أحد أصدقائه ممن غيروا دينهم بإخبار الجماعة كيف أن أمه المسيحية تحب أن يقدم لها الزهور في عيد ميلادها. وقد لوح له محمود بإصبعه وأوضح بأن الاحتفالات بأعياد الميلاد ممنوعة. ويقول المعتدلون المسلمون بأن الشريعة الإسلامية تتخذ موقف الحياد إزاء أعياد الميلاد. ومع ذلك، فإن العرب تقليدياً لا يقيمون حفلات أعياد ميلاد وليس هناك دليل في القرآن على أن محمد قد احتفل بعيد ميلاده. وهكذا، فإن الأصوليين الأوروبيين الشباب الذين يريدون محاكاة حياة الرسول يعتبرون مثل هذه الحفلات خروجاً على الحدود.

عندئذ وقف رجل كان جالساً يحتضن ركبتيه في إحدى الزوايا، وكان قد قرأ عن إدانة النبي للشرك. وقال أنه قد أصبح الآن غاضباً من البوذيين والطاويين. وقال بتكشيرة عريضة: "أود لو أنني أدخل إلى معابدهم وأكنس كل تلك التماثيل وأحولها إلى ركام. نعم، ثم دعونا نرى كيف ستتعامل آلهتهم مع ذلك".

بدت المجموعة محرجة لوهلة. ثم وصف محمود كيف أنه حمل أحد أعمامه على إزالة صورة عن جداره، فالإسلام يحظر تجسيد الإنسان في الفن ويؤمن محمود بأن ذلك يشمل كل الفن التزييني. وكانت الصورة تمثل آية من القرآن مكتوبة بالخط العربي، والذي يستخدم على نطاق واسع كعمل فني في العالم العربي. ولا يعني ذلك شيئاً لمحمود: "قلت: كلا، إنه ممنوع. إقرأ القرآن".

بدا اثنان من أفراد المجموعة وقد اعترتهما الحيرة، لكنها بدءا في هز رأسيهما بالموافقة بينما استطرد محمود:

"عمي ذاك. لقد أحب تلك الصورة فعلاً ولم يكن ليزيلها عن الحائط. وهكذا طلبت منه أن يهديها لي، وقد فعل. ثم قمت بتدميرها على مرأى منه. وقد انزعج فعلاً، ولكن ما حدث كان قد حدث. وعليه أن يفهم ما هي الشريعة".

وول ستريت جورنال

"يبدو المسلمون في كامل أنحاء أوروبا متعطشين للإرشاد والنصح عن الكيفية التي يمكن لهم وفقها أن يندمجوا في المجتعات التي يعيشون فيها بينما يظلون على ولائهم لمعتقداتهم. وتتراوح أسئلتهم ما بين النوع المعقد من قبيل: "هل يمكن لي أن أدفع وفق نظام يقوم على الفائدة، والمحظور في الإسلام؟"

"بعض أعضاء المجلس يقولون أن السيد القرضاوي ربما لا يكون أفضل وجه جماهيري للمجموعة، رغم أن سمعته وشخصيته هما اللتان خلقتا المؤسسة. وكان أحد أعضاء الجماعة، وهو مصطفى سيريس مفتي البوسنة الأكبر، أن المجلس يعكس الصعوبات التي يواجهها مسلمو أوروبا في معرفة المعايير التي تنطبق عليهم: "إننا في طور التحول، حيث نعيش في أوروبا ولكننا نفكر بإسلام مجرد".

..........

* الإخوان المسلمون: جماعة إسلامية تم تأسيسها في عام 1928 من قبل حسن البنا في مصر كدعوة إسلامية وهى كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة إلا أنها لم تحظى فى مصر بحزب سياسي حتى الآن.

- المصدر: الغد الأردنية 12/8/2005م  - عن جريدة وول ستريت جورنال.