في كتابه الذي صدر منذ عدة أشهر والذي سماه "نحن والغرب.. أسئلة شائكة وأجوبة حاسمة" يؤكد الدكتور يوسف القرضاوي أن الغرب والشرق أمر نسبي، فكل بلد وكل مكان له غربه وشرقه.

ووطننا العربي مقسم إلى شرق وغرب، وقد اصطلح على أن الغرب يبدأ من ليبيا إلى موريتانيا مروراً بتونس والجزائر والمغرب الأقصى، وحين قسم الناس الكرة الأرضية إلى شرق وغرب، اضطروا أن يقسموا الشرق إلى أقسام بحسب موقعه، فهناك شرق أقصى، وهناك شرق أوسط، وهناك شرق أدنى.

والكتاب في أصله عبارة عن مجموعة من الحوارات بين الشيخ القرضاوي والغرب، فبعد الحادي عشر من سبتمبر شُنّت حملة إعلامية ضخمة على الإسلام، بجوار الحملة العسكرية، واعتبر الإسلام مصدر الإرهاب والعنف في العالم.

وأصبح المسلمون يواجهون أسئلة شتّى من الغربيين في كل مكان، تكيل التهم للإسلام ولكتابه ونبيه وشريعته وحضارته وتاريخه وأمته، كيلاً جزافا.

ووجهت إلى القرضاوي عشرات من هذه الأسئلة ظهرت كما يقول الشيخ في صورة أسئلة محرجة، أو شائكة، وردد عليها بأجوبة بيّنة، بل حاسمة، أسماها: نحن والغرب.

وفي مقدمته التي قاربت العشر صفحات؛ أكد الشيخ يوسف أن المفكرين في الغرب على نوعين:

الأول: وهم الأكثرية مثل: فوكوياما وهنتنجتون وغيرهما، يحذرون من خطر الحضارة الإسلامية (الناشزة) التي يصعب تطويعها، ولاسيما إذا اتفقت وتقاربت مع الحضارة الكونفوشيوسية (الصينية). وأطلقوا على الإسلام الخطر الأخضر، وبالغوا في تضخيمه وتهديده للعالم.

الثاني: من رفض هذا التهويل، وأثبت أن الإسلام ليس خطرا مخوفا كما يقال. ومن هؤلاء البروفسور إسبوزيتو المعروف الذي كتب في ذلك كتابا: الخطر الإسلامي حقيقة أم أسطورة؟.

والمطالع لكتاب الشيخ يوسف يلحظ أن أسئلة الكتاب تأخذ الطابع الغربي –في الأغلب- فهي من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا، تضمنت هذه الأسئلة حوارات مع كبريات المجلات والجرائد والإذاعات مثل غارديان، وBBC، وكبار الصحفيين.

وأضاف المؤلف إليها أسئلة قدمت إليه من مجلة المصور المصرية، وما قدمه في القمة الإسلامية المسيحية الأولى في روما (أكتوبر 2001م) والقمة الإسلامية المسيحية الثانية في برشلونة (أكتوبر 2004م).

أسئلة من أمريكا

وفي الأسئلة التي وجهت إلى الشيخ يوسف من أمريكا، أجاب عن عدد من الشبهات التي تثار في الغرب، وكان من أهمها علاقة المسلم بغير المسلم، موادة من حاد الله ورسوله، قضية الجزية، ملابس أهل الكتاب وأزياؤهم، جريمة الردة، موقف الإسلام من المرأة.

وفي معرض حديث القرضاوي عن جريمة الردة قال: إن أشد ما يواجه المسلم من الأخطار ما يهدد وجوده المعنوي، أي ما يهدد عقيدته، ولهذا كانت الردة عن الدين (الكفر بعد الإسلام) أشد الأخطار على المجتمع المسلم.

وكان أعظم ما يكيد له أعداؤه أن يفتنوا أبناءه عن دينهم بالقوة والسلاح أو بالمكر والحيلة. كما قال تعالى ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)) البقرة: 217.

وقد أقر الشيخ يوسف بإجماع الفقهاء لعقوبة هذه الجريمة فقال: أجمع فقهاء الإسلام على عقوبة المرتد -وإن اختلفوا في تحديدها- وجمهورهم على أنها القتل، وهو رأي المذاهب الأربعة، بل الثمانية.

ورفض المؤلف ما ادعاه البعض من أن القرآن خلا من أي آية تشير إلى عقوبة المرتد في الدنيا. وليس فيه إلا قوله تعالى ((ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) البقرة: 217، وأشار إلى قول أبي قلابة وغيره: من قال إن آية الحرابة في سورة المائدة: 33، نزلت في شأن المرتدين.

وأما عن وضع المرأة في الإسلام فقد أشار الشيخ يوسف إلى أن الإسلام كرم المرأة، وأكد إنسانيتها، وأهليتها للتكليف والمسئولية والجزاء ودخول الجنة، واعتبرها إنسانا كريما له كل ما للرجل من حقوق إنسانية.

لأنهما فرعان من شجرة واحدة، وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء. وأكد الشيخ يوسف بأن الرجل أخو المرأة، والمرأة شقيقة الرجل. وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال".

وقد أوضح المؤلف العلاقة من تمييز الإسلام الرجل على المرأة في بعض الأحكام (كما في الشهادة، الميراث، الدية، قوامة المنزل، رياسة الدولة، بعض الأحكام الجزئية الأخرى).

فقال: والواقع أن تمييز الرجل عن المرأة في هذه الأحكام، ليس لأن جنس الرجل أكرم عند الله وأقرب إليه من جنس المرأة. فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم –رجلا كان أو امرأة- كما قال تعالى في كتابه ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) الحجرات:13. ولكن هذا التمييز اقتضته الوظيفة التي خصصتها الفطرة السليمة لكل من الرجل والمرأة.

أسئلة من لندن

وضم الكتاب أيضا عددا من الأسئلة والحوارات من لندن، وهي: حوار أجراته معه B.B.C وغارديان، ولكن الكم الأكبر من الأسئلة؛ رد فيه القرضاوي على شبهات أثارها اللوبي الصهيوني حول ما يعرف بـ (ائتلاف الخير) وقد أعلن الشيخ يوسف من خلالها موقفه من اليهود فقال: الحق الذي يجب أن يعلمه الناس، كل الناس: أنني لا أكره اليهود لكونهم يهودا، ولهذا قلت مرارا: إن اليهودية باعتبارها ديانة ليست هي السبب في المعركة بيننا وبين دولة إسرائيل.

والقرآن اختار لليهود -وكذلك النصارى- لقبا يوحي بالقرب والإيناس منهم، وهو أهل الكتاب ويناديهم بذلك ((يا أهل الكتاب)) ويعنى به: التوراة والإنجيل، إشعارا بأنهم -في الأصل- أهل دين سماوي، وإن حرّفوا فيه وبدّلوا.

بل أزيد على ذلك فأقول: إن اليهود -من الناحية الدينية- أقرب إلى المسلمين في كثير من الأمور، من النصارى المسيحيين، لأنهم أقرب منهم إلى ملة إبراهيم عليه السلام، سواء في العقيدة أم في الشريعة.

أسئلة من سويسرا

وأما أسئلة سويسرا فقد أرسل بها إلى المؤلف باحث مصري اسمه ثابت عيد يعيش في مدينة زيورخ بسويسرا، وهو معني بالبحث في أمور العقيدة والفلسفة والفكر، وقد تعرض للاستشراق والمستشرقين بالنقد في بعض مقالاته، فقوبل بهجوم كاسح.

وقد أقلقه ما يقرأه في الصحف الغربية بعد أحداث 11 سبتمبر، وكانت أهم إجابات الشيخ يوسف؛ ما طرحه السائل حول مآخذ الشيخ على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وموقفه من الحضارة الغربية.

أما مآخذه على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فقال: آخذ على السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تحيزها الكامل، بل تأييدها المطلق للسياسة الإسرائيلية، ووقوفها إلى جانب الإرهاب الصهيوني.

كما آخذ على السياسة الأميركية: غرورها بقوتها العسكرية والاقتصادية والعملية، ومحاولة أن تفرض رأيها وسياستها على الناس، بمنطق القوة، لا بقوة المنطق.

وآخذ عليها كذلك اتخاذها الإسلام عدوا جديدا، بديلا للاتحاد السوفياتي الذي سماه ريجان دولة الشر. كما آخذ على السياسة الأميركية: موقفها في محاربة ما سموه الإرهاب الذي رفضوا أن يحددوه بمعايير علمية موضوعية، بل تركوا مفهومه هلاميا رجراجا.

وعن موقفه من الحضارة الغربية فلم يكن موقف القرضاوي كتلة واحدة لا تتجزأ، كما أنها ليست شيئا واحدا، وإنما أظهر الشيخ الجوانب الإيجابية في الحضارة الغربية والتي تثمر.

فقال: في الحضارة الغربية نجد جانب العلم بتطبيقاته المختلفة (التكنولوجية والصناعية) وهذا يجب علينا أن نستفيد منه، لأنه عالمي بطبيعته، بل هو في أصله مقتبس من الحضارة الإسلامية التي منحت أوروبا المنهج العلمي والتجريبي الذي أخذه روجر بيكون، وفرنسيس بيكون من المسلمين، كما شهد بذلك مؤرخو العلم أمثال بريفولوت، غوستاف لوبون، جورج سارتون وغيرهم.

فهي في الواقع بضاعتنا ردت إلينا. ولكن الشيخ حدد مآخذه على هذه الحضارة في نقاط ثلاث:

1. اتجاهها المادي الحسي، واحتقارها للغيبيات وكل ما وراء المادة.

2. الاتجاه النفعي واللّذي في أخلاقيات الحضارة الغربية، ففلسفة اللذة والمنفعة الفردية الحسية العاجلة، هي التي تحرك الأفراد والجماعات.

3. نزعة استعلاء كامنة في أعماقها، كأنما أخذتها من اليهود الذين يزعمون: أنهم -وحدهم- شعب الله المختار.

أسئلة المصور

وأما الأسئلة التي قدمت إلى الشيخ يوسف من مجلة المصور المصرية فيدور معظمها حول: الكفر ومعناه، وتحديد مفهوم الكافر، وكيفية التعامل مع الكافر فردا كان أو دولة.

وبعد أن أوضح القرضاوي مفهوم الكفر، أوضح حكم الأميركان فقال: ليسوا كفارا بمعنى أنهم ملحدون، وليسوا كفارا بمعنى أنهم وثنيون، ولكنهم كفار بدين محمد.

وهذه حقيقة لا أحسبهم يجحدونها، وإلا لآمنوا به وبكتابه. قال تعالى ((ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون)) آل عمران:110 .

وأعتقد أن ما يجري من نزاع بين كثير من المسلمين والولايات المتحدة، ليس بسبب الكفر، بل بسبب الظلم، فهم يصفون الأميركيين بأنهم ظالمون منحازون للصهيونية، مستكبرون في الأرض بغير الحق، كما نراهم اليوم في موقفهم في محاربة ما سموه الإرهاب الذي يحددونه على هواهم، ويدخلون فيه كل جماعات المقاومة المشروعة، ثم يقولون: من ليس معنا فهو مع الإرهاب.

القمم الإسلامية المسيحية

ولم يفت على المؤلف أن يوضح أوجه التعاون التي يمكن العمل من خلالها بين المسلمين والمسيحيين، وقد لخص هذه النقاط فيما يلي:

1- التركيز على القواسم المشتركة بيننا وبين أهل الكتاب.

2- الوقوف معا لمواجهة أعداء الإيمان الديني، ودعاة الإلحاد في العقيدة والإباحية في السلوك، من أنصار المادية، ودعاة العري.

3- الوقوف معا لنصرة قضايا العدل، وتأييد المستضعفين والمظلومين في العالم، ضد الظالمين والمستكبرين في الأرض بغير الحق، الذين يريدون أن يتخذوا عباد الله عبادا لهم.

4- إشاعة روح السماحة والرحمة والرفق في التعامل بين أهل الأديان، لا روح التعصب والقسوة والعنف.

أسئلة من ألمانيا

وكانت مجلة دير شبيغل الألمانية قد أجرت هذا الحوار بمكتب الشيخ القرضاوي بجامعة قطر، وقام بمحاورته صحفيان أحدهما يجيد العربية واللهجة المصرية، ومن الأسئلة التي أثارها أحد الصحفيين: هل تعتبر إسرائيل لها حق في الوجود؟

فكان رد القرضاوي: أصبحنا مضطرين أن نعترف بها، وفرضت نفسها بالحديد والنار والآن أصبحنا نعترف بوجود إسرائيل، إسرائيل اعترفنا بها منذ 67، بعد ذلك قالوا نزيل آثار العدوان، ومع هذا لم نستطع أن نزيل آثار العدوان، ولم يقف معنا العالم.

ويضيف الشيخ يوسف: ما زالت إسرائيل تحتل الجولان والضفة الغربية، وتجرف الأرض، حتى القدس الشرقية لا تريد أن تبقيها، وتريد أن تأخذ الأرض من حولها تحت الحديد والثار والعنف والدم، الجدار العازل هذا التي تريد أن تقيمه، كل هذا بمنطق القوة .

طالع الكتاب

........

- نقلا عن " الجزيرة نت " في 5-3-2007.